Category Archives: فلسفة

Al-Noraniya (the luminosity) Call of Hasan Mai Alnorani

Validating Professional Growth (VPG)
Al-Norania (the luminosity) Call of Hasan Mai Alnorani
Love each other.. love delight you.. delight of love illuminate you
“Da’wat Al Noraniya”
Al Norani’s remedy to the mind’s darkness, morals corruption, and thepsychological and psychophysical diseases.
Dr. Hasan Mai Al Norani
glorybuild.wordpress.com
alnorani@live.com

Continue reading Al-Noraniya (the luminosity) Call of Hasan Mai Alnorani

كتاب | كيف وُجِدت الآلهة؟

[دراسة في المادية التاريخية]

رسالة “كيف وُجِدَت الآلهة” للمفكر الأمريكي جون كيرتشر نشرها خلال عام 1929 يقدّم فيها شرحاً في سياق المادية الديالكتيكية التاريخية لظهور فكرة الله والدين.

How The Gods were Made
(A Study in Historical Materialism)

By:
John Keracher
Chicago 1929
تحميل الكتاب بصيغة الـ PDF
http://www.4shared.com/office/ZzNnH9WB/___online.html

المحتويات

1) مقدّمة
2) كيف وُجِدَتْ الآلهة
3) المفهوم اللاهوتي
4) المفهوم المثالي للتاريخ
5) المفهوم المادي للتاريخ
6) الأديان: ظلال جوهر حقيقي
7) الحياة بعد الموت: الروح
8) الفايكينغ
9) الآلهة النرويجية
10) الآلهة الإغريقية
11) الأولمب
12) المحمديون
13) المسيحيون
14) أورشليم الجديدة
15) الإقطاعية
16) الإصلاح
17) العمال الذين ظلّوا متدينين
18) الطبقة العاملة الملحدة
19) البروليتاريا الثورية
20) التنظيم والتحرّر

1) المقدّمة

عندما كنت على احتكاك بالحزب الشيوعي في أمريكا، في خريف عام 1910، سمعت بعض أعضائه وهم يتحدّثون عن المفهوم المادي للتاريخ. لم يسبق لي أن سمعت العبارة من قبل وقد أصابني الفضول لمعرفة معناه الحقيقي.
وعندما تقرّبت من هؤلاء الأعضاء، طلبت منهم شرحاً لهذا المفهوم. وسرعان ما اكتشفت _كما بدا لي في ذلك الوقت_ أنّ هناك شيئاً ما مبهم فيه وأنّ الغموض يتخلّله. لقد أخبروني بأنّهم يؤمنون به وكانوا متأكّدين من أنّه مفهوم علمي أصيل، لكن كان ليس من السهل تفسيره لأنّه كان “عميقاً” للغاية. قالوا لي بأنه كان عليّ أن أقرأ كثيراً جداً لفهمه واستيعابه. فيما بعد، واتتني الفرصة لأطلب من بعض الأعضاء الدائمين والمخضرمين في ذلك الحزب أن يفسّروا لي معنى المفهوم المادي للتاريخ، لكني لم أحرز أي تقدّم يذكر. وتوصّلت إلى نتيجة مفادها أنّني كنت سطحياً جداً وعقلي ضحل بشكل معيب لأفهم هذه المسألة في ذلك الوقت.
في هذه الأثناء، كنت قد اطّلعت على مجموعة من الأوراق الشيوعية وأخذت في قراءة الكتب والكرّاسات الشيوعية أيضاً. وسرعان ما لاحظت أنّ هناك الكثير من التناقضات التي تتخلّل النظرية الشيوعية. المؤلّفون والمحرّرون كانوا يمتلكون أفكاراً ووجهات نظر مختلفة، وغالباً ما كانت متضاربة، حول مجموعة في غاية الأهمية من المسائل المبدئية. وقد فُسِّر هذا الأمر لي بأنه “اختلاف جائز في الآراء ووجهات النظر من جانب الكتّاب”. وقد تمّت طمأنتي بأنّ كل شيء على أحسن ما يرام. وأنّ “ضمن أي حركة ديمقرطية كحركتنا، يجب السماح لحرية التعبير بين الأفراد”.
لم أكن راضياً بهذا الجواب. إذ شعرت أنه لا بدّ أنّ هناك شيء ما خاطئ في حركة سمحت بكل هذه الآراء المختلفة على مبادئ الشيوعية. فالآراء المتعارضة والمتضاربة بشكل مباشر قد لا تكون جميعها صحيحة بالضرورة. كنت ما أزال شخصاً متديناً، إلا أني كنت شكوكياً بعض الشيء، وطرحت السؤال التالي بشكل طبيعي: ((ما موقف الشيوعية من الدين؟))
تلقّيت على سؤالي هذا ثلاثة إجابات مختلفة. فقد أخبرني البعض أنّ الشيوعية والدين في توافق وانسجام تام، وأنّ ((الشيوعية تمثّل المسيحية العملية)). آخرون أخبروني أنّ ((الشيوعية فلسفة مادية ولذلك لا تترك أي مجال للإيمان بالغيب أو الماوراء)). وكان هناك آخرون قالوا لي ((أننا لا نقف أي موقف من أي نوع من الدين، فهو مسألة خاصة)). ولطالما حيّرتني هذه المواقف والآراء المتضاربة.
من بين الكتب التي كنت قد اشتريتها كانت أعمال كل من كارل ماركس وفريدريك أنجلز. وكنت سابقاً قد قرأت بعض المخطوطات التي جرى ذكرها ورأيت العديد من الاقتباسات من أعمالهما خلال الاجتماعات الشيوعية الدورية. ثمّ قلّبت انتباهي لكتاباتهما وبعد فترة بدأت بفهم المقصود من فكرة المفهوم المادي للتاريخ. وكلما قرأت كتاباتهما أكثر، اتضّحت الفكرة بشكل أكبر. وبدأت بالتغلّب على موقفي السابق غير المحدّد في السؤال عن الدين، وعلى الأسئلة الأخرى، كالإصلاحات الاجتماعية، وظيفة المنظّمات الفردية (أي الاتحادات)، الدولة، والمؤسسات الأخرى. وتوصّلت إلى نتيجة مفادها أنّه إذا كان كل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز محقين، فأغلب الذين يطلقون على أنفسهم لقب شيوعيين، يجب أن يكونوا مخطئين.
في ذلك الوقت كنت متحمّساً جداً بشأن التأثير المنير لمفهوم المادية التاريخية. إذ أنّه كان قد سلّط الضوء على مدى ضآلة المعرفة التاريخية التي كنت أمتلكها سابقاً. كنت قد تعلّمت إلقاء المحاضرات للتو. وكنت قد خضت بعض النقاشات حول مبادئ الاقتصاد والتاريخ الصناعي. وقد حدث لي بأني أدركت أنني إذا تمكّنت من تفسير معنى المادية التاريخية للعمال والطبقات العاملة، فإنني بذلك أستفيد من وقتي أيّما استفادة. لقد حاولت تجربة المادة الموجودة تحت تصرّفي وأصبحت كثيراً ما ألتقي بسؤال لطالما أزعجني وأقلقني. كان السؤال على الشكل التالي: ((من الجيد استخدام مفهوم المادية التاريخية لتفسير الأشياء والأمور المادية وعلاقاتها، لكن كيف لنا أن نفسّر من خلالها الأمور الروحية، هل يمكن لمفهوم المادية التاريخية أن يقوم بذلك؟))
كان هذا هو التحدّي الذي أجبرني على التوصّل إلى استنتاج مفاده أنّه إذا لم يكن من الممكن تفسير الأمور الروحية من وجهة نظر المادية التاريخية، عندئذٍ لابد أنّ هناك خطأ معيّن يتخلّل مفهوم المادية التاريخية. كنت مؤمناً أنّ ذلك ممكن، وشرعت في العمل فوراً. البيانات الواردة خلال الفصول التالية قد تمّ جمعها من مصادر مختلفة. ولا أنسب أيّة أفكار لي. كل ما قمت به هو أني جمعت أفكار الآخرين مع بعضها بهدف اكتشاف المكان الذي جاء منه ما يسمى بالأمور الروحية، وأيضاً بهدف إجراء مقارنات مع التفسيرات الأخرى للتاريخ، لإثبات صحّة ومعقولية المنهج الماركسي.

جون كيراتشر
شيكاغو، 1929
2) كيف وُجِدَتْ الآلهة

ما أن أصبح الإنسان واعياً ومدركاً لوجوده، سرعان ما أصبح قادراً على التفكير، وكان ملزماً بطرح السؤال على نفسه: ((من أين أتيت؟)) و((إلى أين أمضي؟)) وكان من الطبيعي جداً أن يتساءل عن كيفية مجيئه إلى العالم وظهوره على الأرض وماذا سيصيبه بعد الموت. كان يرى أصحابه يستغرقون في نومٍ عميق، من دون أن يستيقظوا. كان يرى آخرون يُقتَلون، وتخبو حياتهم. وسعى جاهداً لإيجاد حلول لهذه المشاكل التي جعلت الإنسان البدائي يبتكر معتقدات وأفكار حول الحياة بعد الموت وبكائنات خارقة أقوى من الإنسان.
عندما نعود بتفكيرنا إلى الوراء، إلى خبرات وتجارب الجنس البشري، التي تشكّل تاريخ الإنسان، نلاحظ أنّ الإنسان قد شكّل ثلاثة طرق مختلفة لتفسير نشاطاته. بمعنى آخر، لم تكن هناك سوى ثلاثة مفاهيم مختلفة للتاريخ، ثلاث تفسيرات رئيسية لهدف الإنسان وغايته على هذا الكوكب. صحيح أنّه قد تمّ وضع أكثر من ثلاثة تسميات لهذه المفاهيم للتاريخ، لكنّها جميعها يمكن جمعها في التسميات الثلاث التالية: أولاً، المفهوم اللاهوتي للتاريخ. ثانياً، المفهوم المثالي للتاريخ. ثالثاً، المفهوم المادي للتاريخ.

3) المفهوم اللاهوتي

يقوم المفهوم اللاهوتي للتاريخ على أساس الاعتقاد أنّ هناك كائن غيبي أو كائنات غيبية خارقة تتجاوز العالم، سواء أكانت خيّرة أو شريرة، وأنّ جميع أفعال الجنس البشري وأعماله ما هي إلا انعكاسات لإرادة هذه الكائنات الماورائية. لذلك، فالتاريخ ما هو إلا سجلّ للمخطّط الإلهي الظاهر للأشياء.
إنّ مفهوم التاريخ استولى على الساحة لعصور عديدة. لكنّه بات اليوم حقلاً مهجوراُ تقريباً. اللاهوتيون أنفسهم لن يعودوا يدافعون عنه، حيث أنّه يضعهم في موقف عبثي. فإذا كان صحيحاَ أنّ الإنسان يسير وفق إرادة إلهية، وأنّ أفعاله ما هي إلا جزء من خطّة إلهية، وإذا كان مقرّراً منذ الأول أن يؤدّي أفعلاً معينة ولا يستطيع الخروج عن الحطّة والقيام بأفعال أخرى، عندها يكون غير مسؤول بشكل مباشر عن أفعاله. القتل، الاغتصاب، السرقة وغيرها من الجرائم والجنح الأخرى جميعها أعمال ليست من صنع يديه. فما هو إلا وكيل متواضع وحقير ينفّذ مخطّط مشيئة إلهية أكبر وأقوى منه. يعبّر بنجامين فرانكلين في سيرته الذاتية عن مفهومه على الشكل التالي ((والآن أنا أتحدّث عن شكر الله وحمده، أنا أستحقّ بتواضع شديد أن أعترف بأني أنسب السعادة التي ذكرتها في حياتي السابقة لعطاءه الإلهي المقدّس، والذي قادني لطرق ووسائل لجأت إليها وحقّقت النجاح. وإيماني بذلك حثّني على الأمل، ومع ذلك لا يجب أن أفترض أنّ نفس الطيبة والنعمة ستستمرّ في النزول عليّ بتلك الدرجة من السعادة أو تمكّنني من تحمّل انقلابها القاتل، والذي قد أتعرّض له كما تعرضّ له آخرون، إنّ طبيعة ثروتي المستقبلية معرفة له فقط في نطاق القوى التي يباركها، حتى على مآسينا)).
روبرت برنز بدوره يعبّر عن نفس المعتقد في صلاته:
((أيّها الخالق العظيم! الذي تعلّمني كلّ ما أعرفه،
إلا أنّي متأكّد، بأنّي أعرفك وأعرف جميع أعمالك على الأرض،
لكن إذا كانت معاناتي تحلّ بي من أجل أن تتناسب مع خطّة حكيمة
إذن قرّرت روحي أن تتحمّل بثبات دون أن تشتكي))
عاش كل من برنز وفرانكلين في نفس الفترة أو العصر، عصر الثورات البرجوازية. خلال تلك الأيام، كان كلاهما من المثقفين المتقدّمين، لكنّهم لم يكونوا قادرين على التخلّص من المفاهيم اللاهوتية للكون وحكمه الإلهي.
حسب المفهوم اللاهوتي للتاريخ، من المنطقي الاعتقاد بأني إذا ما قمت بقتل شخص لن أكون أنا الملام. فليس بإمكاني القيام بأي شيء حيال ذلك طالما أنّ هناك قوّة أكبر مني قرّرت بالنيابة عني بأن أنفّذ هذا الفعل. من جهةٍ أخرى، إذا كان عليّ إنقاذ حياة شخص آخر، مقابل المخاطرة بنفسي، عندها لن أنال أي فضل بقيامي بذلك، طالما أنّ الأمر محتوم مسبقاً. كم مرةً سمعنا الناس يردّدون عبارة ((إنّها مشيئة الله)). إذا تمّ اعتماد هذا المفهوم اللاهوتي للتاريخ، عندها يعني ذلك أنّ الإنسان ليس مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر عن أفعاله. فأفعال “الخير” و”الشر” التي يقوم بها ليست أفعاله فعلياً. فما هو إلا عبارة عن أداة حقيرة ومتواضعة تنفّذ أوامر إرادة أقوى وأعظم. أمّا معاقبته على أفعاله وتصرّفاته هنا، أو في “العالم الآخر”، على ما اقترفه من أعمال ولم يكن بيده تجنّب اقترافها، فهو موقف عبثي وغير قابل للدفاع عنه.

4) المفهوم المثالي للتاريخ

هذه النظرة إلى التاريخ، والتي تقدّمت اليوم بفضل المجتمع الرسمي، تقوم على نظرية الإرادة الحرة. فحسب هذه النظرة، الإنسان هو مخلوق حرّ. فهو يمتلك القوّة والإرادة للاختيار فيما يتعلّق بأفعاله وتصرّفاته، القدرة على الاختيار بين “الخير والشر”. قد يمدّ له الله يد المساعدة، أو قد يغويه الشيطان، لكنّ الخيار النهائي يكون يبده وحده ولا أحد غيره. هذه الإرادة الحرة، هذه القدرة على الاختيار بين “الخير والشر”، ضرورية جداً لصنع إنسان “خطّاء”. فإذا لم يكن بمقدور الإنسان الاختيار ف يمكن أن يكون “خطّاءً”. عندها ستصل عملية إنقاذ الأرواح إلى نهاية مسدودة. اليوم تدافع الكنية عن نظرية الإرادة الحرّة باستماتة. لكن ما هي الإرادة؟ إنّها العقل الذي تتشكّل داخله الأفكار. المفهوم المثالي للتاريخ قائم على أساس فكرة بشرية.
من وجهة نظر المدافعين عن هذا المفهوم، تعتبر هذه الفكرة غاية في الأهمية. فالأشخاص الأخيار والصالحين هم الذين يحملون أفكاراً خيّرة وصالحة، أمّا الأشخاص الأشرار والسيئين فهم أولئك الذين يحملون أفكاراً سيئة وشريرة. الأفكار، سواءٌ أكانت خيّرة أم شريرة، تأتي أولاً ثمّ تتبعها الأفعال. الأشخاص الأذكياء هم نتاج الأفكار الذكية. والأشخاص الأغبياء هم نتيجة أفكارهم الغبية الخاصة. الأمم المتقدّمة تقوم على أفكار تقدّمية، أمّا الأمم المتخلّفة فإنّها تقوم على أفكار رجعية متخلّفة. الأشخاص التقدميون والناجحون هم كذلك بفضل أفكارهم التقدمية أمّا الأشخاص المتخلّفون فهم نتيجة أفكارهم البالية والقديمة. وهذا هو جوهر المفهوم المثالي للتاريخ.
إذا تتبنّينا هذا المفهوم المثالي للتاريخ وطبّقناه على المجتمع بشكل عام نجد أنّ الأمم العظيمة هي نتاج أمم معيّنة لديها رجال عظماء، والذين هم بدورهم نتيجة أفكارهم العظيمة. فالتاريخ _من وجهة النظر هذه_ يعني ببساطة أنّ الرجال العظماء هم صنّاع التاريخ. ويطلق على هذه الحالة في بعض الأحيان اسم “نظرية الرجل العظيم التاريخية”. طبعاً تقع ضمن نطاق المفهوم المثالي. وكامل المفهوم يقوم على أساس الفكرة القائلة بأنّ الفكرة تأتي أولاً ثمّ تتبعها الأفعال بعد ذلك.
قد يكون هذا المفهوم صحيحاً إلى حدٍ ما. فلا يمكن إنكار حقيقة أنّ الأفكار تسبق الأفعال. على سبيل المثال، لا يمكننا أن نحصل على منزل حتى نمتلك في عقولنا فكرة عنه. يمكننا تخمين أو تصوّر الشكل الذي سيبدو عليه قبل البدء ببناءه. يمكن للمهندس المعماري أن يرسم مخطّطاً، إذ بإمكانه تصوّير المنزل قبل بناءه. فبإمكانه أن يريك كيف سيبدو بعد الانتهاء منه. ليس فقط أول طاولة من نوعها تمّ تصوّرها بكل كل طاولة يتمّ إنتاجها. ففكرة الطاولة ربما قد تولّدت أساساً من عملية وضع الطعام على صخرة مسطّحة أثناء تناوله.
إنّ تطبيق هذا المفهوم على جميع الأشياء والأمور، نحن ملزمون للاعتراف بأنّ الفكرة جاءت قبل صنع الطاولة. فإذا استعرضنا التاريخ من خلال وجهة النظر هذه عندها نكون مجبرين على الاستنتاج بأنّ كشفها يعني كشف الأفكار الإنسانية وسبرها. ليس هناك أي خطأ يتخلّل هذه النظرة حتى هذا الحد، لكنها لا تمضي إلى أبعد من ذلك، حيث أنّنا نواجَه من قبل سؤال غاية في الأهمية: ((إذا كانت كافة إنجازاتنا هي نتاج أفكارنا، إذا كان التاريخ ما هو إلا النتيجة الحتمية للأفكار الإنسانية، فمن أين جاءت هذه الأفكار أصلاً؟))

5) المفهوم المادي للتاريخ

والجواب الذي نقدّمه على السؤال السابق هو أنّ ((كافة الأفكار الإنسانية قد نبعت من البيئة المادية التي عاش فيها وتحرّك خلالها)), هذا هو جوهر مفهوم المادية التاريخية.
في مجتمع بدائي، حيث يكون الإنسان على احتكاك دائم مع بعض الأشياء ولا يستخدم سوى أدوات أو أسلحة بدائية قليلة، تكون أفكاره بدائية، ومحدودة جداً. أمّا في مجتمع متقدّم وعالي التعقيد، حيث يكون الإنسان على احتكاك مع عدد لا متناهي من الأشياء والمواد، أي أنّه ضمن بيئة معقّدة، عندها تكون أفكاره معقدّة، تحمل جوانب متعدّدة، وواسعة.
بيئة الإنسان المادية هي التي تحدّد ليس فقط نطاق أفكاره بل أيضاً سماتها وخصائصها العامة. فالقانون الأول للحياة هو “المصونية الذاتية”. على الإنسان أن يأكل ويحمي نفسه من العناصر. إنّ نموّ أفكاره يتبع بشكل رئيسي تطوّر وسائل وأدوات تأمين العيش الاستمرار. والسؤال الأول الذي يطرحه الإنسان، السؤال الوحيد الذي بقي هو السؤال الأول بالأغلبية، لا يتعلّق بالطريقة التي جئنا من خلالها إلى هذا العالم أو ما قد يحدث لنا بعد موتنا، بل “متى سنأكل؟”. ذلك هو السؤال الأبدي. قد ينكر المثاليون مثل هذه “النظرة الدنيئة” لكننا يمكننا الاعتماد عليهم لنكون على طاولة الطعام في الوقت المحدّد.
منذ عدّة سنوات مضت تمّ إجراء اختبارات وتجارب سيكولوجية ضمن سجن كبير. كان من المقرّر إعدام أحد السجناء المحكومين بالإعدام شنقاً، وفي ساحة المحكمة حيث يمكن لجميع السجناء مشاهدة عملية الإعدام. ما أن تمّ لفّ الحبل حول رقبة الرجل المحكوم واستعداد المسؤول لجذب العتلة لإسقاط المحكوم، كان مئات المساجين الذين يشاهدون عملية الإعدام من خلال نوافذ زنزاناتهم صامتين. وكان علماء النفس يراقبون باهتمام وعن قرب أثر المشهد عندما علا صوت أحد المساجين مطالباً بمعرفة موعد طعامه: ((متى سنأكل؟)), وتبع ذلك صياح واحتجاجات مطالبة بالفطور.
إنّ الطريق الذي سار فيه الإنسان، مسافراً عبر العصور، كان طريقاً اقتصادياً بامتياز. فالأخلاق، والمبادئ، الدين، السياسة، الحرب، الفنون، وكافة الإنجازات التي حققها الإنسان، جميعها تقوم على أساس الاقتصاد. حاول فقط أن تبتعد عن الاقتصاد وانظر إلى أي مدى يمكنك المضي. فعندما قال نابليون: ((الجيوش تسير على بطونها))، فهو قال نصف الحقيقة. فالجنود ليس هم وحدهم الذين بحاجة لأن يأكلوا. والحقيقة هي أنّ كامل المجتمع يسير على بطنه. وهذه حقيقة غاية في البساطة لكنّ أغلب الناس يغضّون أبصارهم عنها.
التنظيم الاجتماعي الحالي معقد جداً، البنية الفوقية الاجتماعية تخفي الأساس الاقتصادي الذي تقوم عليه. الكثير من الناس يشعرون بالأمان وباتوا يتغاضون عن حقيقة أنّهم يأكلون ويلبسون الملابس، وأنّ هذه الأشياء ينبغي إنتاجها من خلال العمل. لكن هناك الملايين من الذين لا ينالون أي فرصة لنسيان ذلك. إنّ المشكلة الاقتصادية تقف عند الباب. في المرتبة الثانية بعد هذا العامل مباشرةً _الاقتصاد_ تأتي العوامل المادية الأخرى، كالمناخ، الطبوغرافيا والخواص الطبيعية للبيئة التي يعيش فيها الإنسان. إذا كان المجتمع منطقة زراعية، أو مدينة صناعية، فإنّ لهذا الأمر تأثير مطابق ومنسجم على أفكار الشعب ومعتقداته. فجميع أفكار الإنسان، من أديان، أخلاق، سياسة، إلخ، ما هي إلا انعكاس للاقتصاد والبيئة المادية. فالدماغ يعمل كالمرآة تماماً. فهو يعكس جميع الأمور والأشياء المدخلة إليه من الوسط الخارجي. والحواس الخمس تقوم بنقل مستقبلاتها إلى الدماغ، “غذاء المخّ”. يقوم الدماغ بهضم هذه المستقبلات التي استقبلتها الحواس ويحوّلها إلى أفكار. إذا أصبحت الأفكار مثبّتة تقريباً أطلقنا عليها تسمية آراء. فالدماغ لا يمكنه عكس ما هو غير موجود. فهو لا يعكس إلا الأمور الحقيقية والواقعية.
عندما يولد الإنسان يكون عقله صفحة بيضاء ناصعة لم يدوّن عليها أي شيء بعد. وأنا هنا لا أقول أنّ عقله خال، بل غير قادر على أداء عملية التفكير. في هذه المرحلة يكون محكوماً من قبل الغريزة وحدها. فهو يستجيب للجوع أو الألم. أمّا يقظة عقله تتبعها يقظة في الحواس. الحواس الخمس، الرؤية، السمع، الذوق، الشم، واللمس، يجب أن تُفَعّل أولاً قبل أن يكون من الممكن تجميع أيّة أفكار حول أي شيء في دماغ الطفل.
كافة الأكاذيب والخدع، جميع الخرافات والمخاوف، التي يكتسبها الطفل خلال نموه، هي نتاج بيئته. إنّها بمثابة “الهبات”، في أغلب الأحيان، التي يمنحها آباء مولعون لكن أغبياء لأبنائهم. فأي طفل عادي أو متوسط، أو حتى أقل من عادي، سيصبح ذكياً إذا اختلط نع أشخاص أذكياء. لكنّ نفس الطفل، إذا اختلط مع أشخاص أغبياء، فإنه سينمو وعقله مليء بالترّهات والأفكار الغبية، والخوف من الوحوش والعفاريت الخيالية. قد يقضي الطفل سنوات عديدة في الخوف من الكائنات الخفية والمخيفة والتي تعلّم الاعتقاد بوجودها والإيمان بها خلال تلك السنوات. وتلك هي الحالة دائماً عندما يكون الطفل سيء الحظ ويحظى بأهل أغبياء، أو أن يولد ويحيى ضمن بيئة متخلّفة، حيث تنتشر الخرافة والأوهام بين أفارد مجتمعه.
الحواس الخمس أشبه ما تكون بمسارات صغيرة تنقل مستقبلات الحواس إلى الدماغ. العديد من الناس يحملون أفكاراً غريبة حول طريقة عمل الدماغ ووظيفته. إنهم يضعون حول العقل سياجاً من اللغز والحيرة، في حين أنّ الدماغ ما هو إلا عضو طبيعي مثله مثل أي عضو آخر من أعضاء الجسد. وظيفة اليد، على سبيل المثال، تتمثّل في المسك والالتقاط، الكتابة وهكذا. ووظيفة القدمين هي المشي، الجري، القفز، وهلمّ جرا. ووظيفة المعدة هضم الطعام. أمّا وظيفة الدماغ فهي التفكير. لكن لا وجود لأيّة أفكار من دون مستقبلات حسية.
إذا لم يدخل المعدة أي طعام، لا يمكن أن تكون هناك عملية هضم. وإذا لم تدخل الدماغ أيّة مستقبلات حسية، فلا يمكن أن يكون هناك فكر. تنقل الحواس الخمس “غذاء الفكر”. والعقل ببساطة هو عمل الدماغ ونشاطه، كما أنّ الهضم هو عمل المعدة ووظيفتها. تلك الوظيفة التي يقوم بها العقل والتي نسمّيها ذاكرة لا يمكن فصلها عن الدماغ، كما لا يمكننا فصل عملية الهضم عن المعدة. تلك الوظيفة للدماغ التي نسمّيها ذاكرة ما هي إلا عملية تخزين للمستقبلات الحسية. صور لا حصر لها، أو صور فكرية، يتمّ تخزينها والاحتفاظ بها، بالشكل الذي كانت عليه، ليتمّ استخدامها مجدّداً عند الحاجة إليها، وفي أحيان كثيرة عندما لا نكون بحاجتها أو لا نرغب بتذكّرها حتى. هذه العملية تشبه عملية تخزين أعداد لا تحصى من الكلمات على جهاز التسجيل ليتم الاستماع إليها مجدّداً عندما نريد ذلك. وتبقى أشرطة التسجيل صامتة حتى نوصلها بالآلة التي تشغّلها وتصدر عندها تلك الكلمات عن طريق مكبّر الصوت. وذاكرتنا تبقى صامتة حتى يتمّ وصلها بالآلية العقلية، والتي نمتلك القدرة على تشغيلها عند الحاجة للتعبير عن المستقبلات الحسية المخزّنة، عن طريق الحديث، أو حتى الكتابة، وهلم جرا.
لا توجد صور فكرية في الدماغ إلا تلك التي يوجد لها مقابل في مكان ما من العالم الخارجي. بمعنى آخر، كافة الأفكار، مهما كانت معقدة أو غامضة، لها مصادر مادية خارجية، ويجب أن تكون مادية في أصلها. لا يمكن أن ينبثق الفكر من أي شيء إلا المادي. ولا يمكن أن ينبثق من لا شيء. وحتى الأمور والأفكار الخيالية، كبابا نويل على سبيل المثال، يوجد أصل مادي له في العالم المادي متجسّد في صورة رجل عجوز لطيف المظهر ذو لحية طويلة وبيضاء. أو كما يقول جوزيف ديتزغين فيما يتعلّق بالإيمان بالآلهة: ما هي إلا عبارة عن تركيبة فكرية لجسد أنثى يافعة ذات أجنحة على ظهرها. كلا الأمرين ماديان، الأجنحة والأنثى اليافعة.
هناك قصّة تروى عن رسّامي العصور الوسطى الكبار الذين كانوا يرسمون صوراً لملائكة على جدران الكنيسة. يقول أحد كهنة الكنيسة ضاحكاً على إحدى الصور: ((من قال أنّ الملائكة تطير وهي مرتدية صنادل؟)). فأجاب الرسّام على الفور ))ومن ذا الذي رأى ملاكاً لا يرتدي صندل؟))
إذا رأيت كابوساً وكنت تحلم بفيلة ذات أجنحة خضراء، أو أيّة خيالات وأحلام من أي نوع كانت، ومهما كانت خيالية، فيمكنك أن ترجع جميع هذه الصور الفكرية المركبة إلى مصادرها المادية. في الحقيقة، من المستحيل التفكير في أي شيء ليس له مصدر مادي. لم يكن هناك أي فكر في عقل الإنسان سوى ذلك الذي يمكن إرجاع أصله إلى الطبيعة ذاتها. لا يمكننا التفكير بلا شيء. حاولوا ذلك وانظروا بأنفسكم إلى أي مدى ستبلغون.
إلا أنّه ما زال هناك بعض الناس الذين يؤمنون أنّ الفكر متأصّل، أي أنّنا عندما ولدنا كانت أدمغتنا مجهّزة مسبقاً بمخزون معرفي كامل. هذه الفكرة غير منطقية على الإطلاق. فمذهب الأفكار الفطرية قد تمّ استبعاده الآن بشكلٍ كامل. هناك آخرون، في حين أنّهم لا يؤمنون بأنّ المعرفة متأصّلة في الدماغ البشري، نراهم يعذّبون أدمغتهم في البحث عن أشياء غير موجودة. إنّهم يعتقدون أنّهم إذا حبسوا أنفسهم داخل غرفة مغلقة فباستطاعتهم استخراج المعرفة من “أعماق عقولهم”، بطريقة أشبه باستخراج الماء من داخل البئر.
فالشيء الذي لا يدخل إلى العقل لا يمكن استحضاره منه. فإذا أردنا أن نمتلك معرفة حول موضوع معيّن علينا أن نعود إلى مصادره المادية ورصده بحواسنا، أو علينا الرجوع إلى الكتب أو وسائل أخرى لتحصيل تلك المعرفة التي عمل آخرون قبلنا على تحصيلها ومراكمتها باستخدامهم لحواسّهم وتسجيلها في الكتب.
ينبغي أن يتّضح أمام ناظريّ كل إنسان يمتلك ذرّة ذكاء أو عدم تحيّز أنّ البيئة المادية هي أساس ومصدر جميع الأفكار. والبيانات التالية التي أقدّمها حول بعض الأديان الرئيسية في العالم هي بغرض إثبات صحّة ما ذهبت إليه.

6) الأديان: ظلال جواهر حقيقية

إنّ مختلف الأديان التي طوّرها الإنسان تقدّم لنا برهاناً ساطعاً على صحّة المنظور المادي للتاريخ. إلا أنّ البعض سيقول: ((لكن ماذا تعني بمصطلح “الدين”؟)). وللإجابة عن هذا السؤال سأضع تعريفاً محدّداً للدين على أنّه ((نظام عبادة أو عادات معيّنة تقوم على الإيمان بوجود قوّة ماورائية خفيّة، كائن خارق أو مجموعة من الكائنات الماورائية الخارقة، بالإضافة إلى الإيمان بوجود حياة ما بعد الموت)). طبعاً أنا مدركٌ تماماً لحقيقة أنّ مصطلح “دين” ذو مدى أوسع من ذلك اليوم. لكن بما أنّي قد حدّدت المصطلح، فسيعرف القارئ ما أقصده تماماً.
من أين تأتي هذه الأفكار؟ هل هي متأصّلة داخل دماغ الطفل منذ لحظة الولادة؟ طبعاً: كلا… إنّ الأفكار الدينية مكتسبة. إنّها نتيجة تربيتنا وممارستنا. فإذا كنا قد ولدنا ضمن قبيلة بدائية فسنكون قد تربّينا عن “تابوهات” معيّنة، وبانتهاك تلك التابوهات سنكون قد جلبنا غضب الأرواح الشريرة على أنفسنا وألحقنا الضرر والأذى بالقبيلة. مثل هذه البيئة لا يمكن أن تنتج أيّة معتقدات وأفكار أخرى. المعرفة المسيحية، من جهةٍ أخرى، تتطلّب بيئة عملية معقدّة جداً. كميات هائلة من الأموال يتمّ توظيفها كل الوقت. يجب أن يكون مجتمعاً حيث يكون فيه البعض “فشلة” وآخرون “ناجحون”.
الدين مجرّد تطوّر طبيعي. وهذه هي الحال في أكثر أشكاله بدائيةً. إنّه متوافق مع كافة الدوافع الطبيعية للبشر. ذلك القانون الطبيعي “المصونية الذاتية” _أول قانون من قوانين الطبيعة_ بالغ القوة وشديد التأثير. لا يوجد شخص على وجه الأرض يرغب بأن يموت. كل شخص يريد أن يعيش. وحتى الناس المتديّنون، أولئك الذين يتغنّون ليل نهار بأمجاد السماء وجمال الجنان ومتعها والحياة الأبدية، لا يرغبون بالموت أيضاً. وعندما يمرضون فقد يلجأون إلى الصلوات، لكنهم من كل بدّ يذهبون إلى الطبيب. إنّهم لا يريدون الموت. بل إنّهم يفضّلون البقاء في هذا “العالم التعيس والآثم” قدر الإمكان. وهناك سبب جيد لذلك: إنّه العالم الوحيد الذي هم متأكّدون منه.
إنّ قانون المصونية الذاتية بفرض نفسه ويتخطّى كل عقبة. فالغنيّ سيدفع كل أمواله، وهو مستعدٌ للتخلّي عن كل ما يملك، للحفاظ على حياته. أمّا الفقير، أو المتسوّل _مادّاً يده للناس، مريضاً وسقيماً، لا يتناول خبزه إلا من مال الصدقات_ فإنّه سيبذل جهده للبقاء على قيد الحياة. فالحياة ثمينة، والروح غالية، حتى بالنسبة له.
7) حياة بعد الموت: الروح

إنّ الإنسان وبسبب رغبته الشديدة والملحّة للحياة والعيش ابتكر مفهوم الحياة الأخرى، أو الإيمان بالحياة بعد الموت. والأحلام أيضاً بدورها لها دو كبير في تعزيز الإيمان بهذه الفكرة. لنتأمّل حالة الإنسان البدائي الذي يقطن الغابة. فخلال تفاعله مع الطبيعة فإنّه يواجه الكثير من الأسئلة التي يجد نفسه مجبراً على الإجابة عنها. ظلّه، أو انعكاس صورته على بركة الماء عندما ينحني ليشرب، صدى صوته، أحلامه، جميع هذه الأمور تتطلّب تفسيرات ملحّة. إنّه يبحث عن الجواب كما يفعل الطفل. هذه الأشياء هي جزء منه ومن ماهيته، إلا أنّها ليست منه في نفس الوقت.
يستطيع الإنسان المعاصر أو الحديث التعرّف على ظلّه أو انعكاسه على صفحة الماء، لكنّ الإنسان البدائي لم يكن يستطيع. جميع هذه الأمور كانت لغزاً بالنسبة له. كان ظلّه يتبعه أينما ذهب، وفي أحيان أخرى كان يغيّر شكله أو حتى يسبقه حتى. فظنّ أنّه جزء منه. وقد روى الرحّالة قصصاً وروايات عن شعوب أصلية في مناطق مختلفة من العالم تعتنق مثل هذه المعتقدات. لقد أخبرونا أنّ أفراد هذه الشعوب الأصلية عندما يسيرون بجانب النهر كانوا يمشون بحذر مخافة أن يسقط خيالهم في الماء، كي لا تتلقّف التماسيح خيالاتهم وتسحبهم في النهر.
هناك شعوب بدائية ما زال أفرادها يؤمنون أنّ أسماؤهم جزءاً لا يتجزأ من ماهيتهم. وهم يخفونها بحذر شديد عن الغرباء أو الأعداء مخافة استخدامها من قبلهم لإلحاق الأذى والضرر بهم. إنّهم يؤمنون أنّ صدى صوتهم هو صوت حقيقي. إنّ صدى صوتهم هو أناهم الآخر يتكلّم. فتكرار نفس الأصوات التي يصدرونها يعزّز هذه الأفكار والمعتقدات ويساعد على ديمومتها. إنّهم لا يعرفون شيئاً عن ارتداد الأمواج الصوتية. الصدى، الصوت الذي يسمعونه في بعض الأحيان، يعتبرونه تحذيراً من أناهم الآخر. والأحلام بالنسبة لهم ليست مجرّد خيالات من صنع العقل، إنّما هي تجارب حيّة وفعلية.
دعونا نأخذ على سبيل المثال سكّان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر. فعندما يخلد الهندي الأحمر للنوم فإنّه قد يحلم بأنّه يمضى في رحلة طويلة. رحلة صيد تستغرق معه عدّة أيام. يمضي في رحلته مع شخص آخر ويصطادان حيوانات كثيرة. لكن عندما يستيقظ وينظر حوله فإنّه لا يرى أيّة حيوانات ميّتة بجانبه. أدواته كلها _قوسه وسهامه، فأسه، وخنجر الصيد خاصّته_ بجانبه. كلّها نظيفة كما كانت عندما رقد للنوم في الليلة الماضية. إنّه لا يشعر بالتعب من السفر والترحال، بل يشعر بالراحة والانتعاش بعد الاستيقاظ من النوم. فاستنتج أنّه ليس هو الذي سافر لعدّة أيام، بل إنّه أناه الآخر، روحه، هي التي غادرت جسده خلال الليل. ومن ذلك الذي كان معه؟ إنّه زعيم القبيلة “جناح الصقر”، الذي مات منذ عدّة ليال. لكن من غير الممكن أن يكون ذلك هو “جناح الصقر” بلحمه وشحمه، إنّما هو أناه الآخر، عاد من عالم آخر. أمّا أرض الصيد، فليست ذلك المرج الكئيب تكنسه الرياح الذي كانوا يسافرون عبره خلال الأيام الماضية، بل مكان جميل، مليء بالطرائد. كان ذلك مرجاً تصطاد فيه الأرواح. وإذا كان “جناح الصقر” مثواه الأخير هناك، فذلك هو المكان الذي سيذهب إليه الجميع بعد موتهم، حيث سيقضون حياةً أبدية تملؤها السعادة في أرض الأرواح.
هنا يكمن الأساس الطبيعي لمعتقد ذلك الإنسان البدائي، في الثنائية: الروح، والحياة بعد الموت في فردوس يعيش فيه حياةً أبدية. لكن من أين جاءت هذه الفردوس؟ هل هي سهل اخترعه من بيئة مادية واقعية يعيش فيها ويتحرّك ضمنها؟ هل هناك مكان آخر يمكن أن تأتي منه؟ الهندي الأحمر مثله كمثل غيره من البشر. إنّه يخترع فردوس الخاص وحياته الأبدية وعالمه ما بعد الموت الخاص به، فهو لديه رغبته الخاصة باستمرار حياته بعد موت جسده إلى الأبد. إنّه يرغب بالصيد بين الوديان الجميلة، تجري فيها الجداول والأنهار الرقراقة والجبال الباسقة، أو في سهول ترتع بالجواميس، الغزلان، وغيرها من الحيوانات البرية الأخرى. إنّ “جنّة الصيد الخاصة به” هي، وببساطة شديدة، بيئته الأرضية المحيطة به كما تنعكس عبر عيون عقله. إنّه يؤمن بأنا آخر له يستطيع مغادرة جسده، روح لا تموت بعد موت جسده. لكنّها له من ذلك النوع من الأرواح المجرّدة أو المفارقة للجسد أو غير المتجسّدة التي يؤمن فيها مسيحيو اليوم. فروح الهندي تأخذ شكل الجسم البشري، جسم صاحبها. لديها أسنان وأظافر قدمين، ريش في شعرها، وتمسك فأساً في يدها.
عندما حاول الغزاة الأوروبيون إقناع الهنود الحمر باعتناق المسيحية لم يلقوا استجابة قوية من قبل السكّان الأصليين. الوعد بالسعادة الأبدية كان حقاً، وكان الهندي الأحمر يؤمن بذلك. لكن كيف شكل المكان الذي سيمضي فيه أبديته تلك، ها هو السؤال. أخبره المسيحيون أنّه سيصعد إلى السماء عبر سلّم ذهبي، ومن خلال بوّابة لؤلؤية سيدخل مدينة من الذهب الخالص. أخبروه أنّ الجواهر والياقوت والكثير من الثروات والكنوز المسيحية بانتظاره، وقيثارة ذهبية يعزف بها إلى الأبد. فأجابهم الهندي الأحمر: ((كلا، ليس هذا النوع من الجنان)). ولما لا؟ لأنّه لم يكن باستطاعته تخيّل هكذا مكان. فمجرّد فكرة قضاء الأبدية بهذا الشكل كانت تشعره بالنفور. لم تكن تثير اهتمامه أفكار مثل ارتقاء سلّم ذهبي وعبور بوّابة ذهبية. ربما لم يسبق له أن رأى سلّماً أو بوّابة. لم يكن هناك أياً من هذين الشيئين لا في البراري ولا في المروج. جواهر، لآلئ، ياقوت وغيرها من الأحجار الكريمة، كل هذه الأشياء لم تكن تثير اهتمامه. لم يكن يولي اهتماماً كبيراً بشأن هذه القمامات. ولم يلقي بالاً بفكرة الجلوس على غيمة ونشر أجنحته الملائكية والعزف على قيثارته الذهبية إلى أبد الآبدين. يا لها من أبدية بالنسبة لصيّاد أو محارب! رفض الهندي الأحمر وباحتقار شديد الفردوس المسيحي. لقد كان له فردوسه الخاص، وكان ينوي قضاء أبديته في صيد الدببة، الجواميس والحيوانات الأخرى على سهول وبين تلال أرض الصيد السعيدة.

8) الفايكينغ

في الوقت الذي تمّ فيه اكتشاف أمريكا كان الهنود الحمر غرب نهر ميسوري يعيشون بأعلى مرحلة من مراحل البدائية والهمجية، أمّا شرق النهر فكان الهنود يعيشون أدنى مرحلة من مراحل البربرية. لنلقِ نظرة على ميثولوجيا الشعوب الإسكندنافية في عصر الفايكينغ. عاش الفايكينغ خلال القرون التاسع والعاشر والحادي عشر للميلاد. كانوا أقرب إلى الحضارة. لذلك فقد كانوا في المرحلة العليا [الأرقى] من مراحل البربرية.
ما يصحّ عن الهنود الحمر يصحّ أيضاً على الفايكينغ، وجميع الشعوب الأخرى فيما يخصّ هذه المسألة. فأفكارهم ومعتقداتهم مصاغة على أساس الأشياء المادية التي تحيط بهم ضمن بيئتهم التي يعيشون ضمنها، كما أنّ نمط العيش الذي يفرض نفسهم عليهم _السعي وراء الرزق وتأمين العيش_ له بالغ التأثير على عقولهم. لم يكن الفايكينغ مجتمع صيّادين، على الأقل لم يكن ذلك أسلوبهم الرئيسي في العيش. بل كانوا شعباً من البحّارة، يجوبون البحار، مقاتلين عظماء، محاربين أشدّاء عبر البحار. كانوا يسافرون بالبحر كثيراً. أبحروا بسفنهم على طول سواحل أوروبا، وحول الجزر البريطانية، وتغلغلوا عميقاً في البحر المتوسط. ومن المؤكّد أنهم وصلوا سواحل أمريكا. إذا لم يكن “ليف إريكسون” هو من اجتاز المحيط الأطلنطي، فلا بدّ أنه كان أحد من أبناء جلدته. كان الفايكينغ يكسبون عيشهم بالغزو. عندما كانوا يرسون بمراكبهم في أي مكان كانوا يغيرون عليه ويأخذون كل ما يمكن أخذه. أغلب أوقاتهم كانوا يقضونها في المحيط، والقليل على اليابسة. ومن هذا النمط في العيش، وهذه البيئة المادية المحيطة بهم، بإمكاننا أن نستنتج نمط المعتقدات التي كانوا يعتنقونها والأفكار التي كانوا يؤمنون بها، إذ يمكننا معرفة الكثير حول مفاهيمهم ومعتقداتهم الروحية؟

9) الآلهة النرويجية

لم يكن الفايكينغ يؤمنون بإلهٍ واحد، بل بعدّة آلهة وإلهات. كان رئيس آلهتهم يدعي أودِن Odin (وكان يعرف عند الشعوب الأنغلو-ساكسونية وودِن Woden، أو ووتان Woutan عند الجرمانيين). كانت لديه عين واحدة بمنتصف جبينه. زوجته كانت فريغ Frigg (أو فرييا Friia عند الجرمانيين).
كان أودِن إلها قوياً وحكيماً. كانوا يهتمّون بعبادته كثيراً، لكنّهم كانوا يولون اهتماماً أكبر لعبادة ابنه “ثور Thor”، إله الرعد، الذي كانوا يجسّدونه بصورة محارب شديد البأس في منتصف العمر. كان مفتول العضلات ويحمل بيده مطرقة عظيمة. لقد تخيّله الفايكينغ على صورتهم الخاصّة. كان رجل فايكينغ إلهي.
وعلى غرار جميع الشعوب التي تجوب البحار، كانت الأعاصير والعواصف هي أكثر الأشياء التي ترعبهم تفزعهم. لم يكونوا يملكون المعرفة بالعوامل والقوى الطبيعية التي تسيّر العواصف والأعاصير التي بتنا نملكها اليوم. فقد كان تقلّب سطح البحر ولطم الأمواج العاتية لزوارقهم، تحطّم سفهم وغرق أصدقائهم في البحر، كان كل ذلك بالنسبة لهم نتيجة الأرواح الشريرة، الشياطين، وغيرها من الوحوش والأهوال الأخرى التي تقبع في أعماق البحار والمحيطات. فإن عصفت بهم عاصفة هوجاء فذلك معناه أن الشياطين أو العفاريت غاضبة جداً منهم. لكنّ “ثور” كان صديقهم، ويقاتل من أجلهم. كان إله الرعد، وعندما كانوا يسمعون صوت الرعد كانوا يظنّون أنّ ثور كان يستعمل مطرقته العظيمة، صاعقاً أعدائه، الشياطين المدمّرة للسفن. وبعد انتهاء الرعد كانت السماء تصفو، وهذا كان دليل على أنّ ثور قد ربح المعركة بفضل مطرقته الرعدية.
كان الفايكينغ يعبدون آلهة أخرى، مثل بالدر Balder، شقيق ثور، لوكي Loki نوع من الأرواح الشريرة والخبيثة، إله النار، والعديد من الأرواح الأخرى الأقل أهمية ومكانة. كانت هذه الآلهة تقطن عالم الفالهالا، أو الفردوس الذي كان الفايكينغ يؤمنون أنهم سيذهبون إليه بعد الموت، وخصوصاً أولئك الذين يسقطون في المعركة. لن يدخل الفالهالا أحد غير المحارب الشجاع والقوي والمقدام والحكيم. ممنوع على الجبناء والأغبياء دخول الفالهالا. لكن كيف هي هذه الفالهالا؟ هل كانت مدينة من ذهب، أو أرض الصيد السعيدة؟… نلاحظ أنّها كانت قاعة ضخمة للاحتفال فيها وليمة عظيمة وأمام مدخلها يقف أودِن نفسه مرحّباً بالفايكينغ الشجعان والحكماء داعياً إيّاهم إلى الوليمة.
وكيف كان الفايكينغ يدخل الفالهالا، هل كان يرتقي سلّماً ذهبياً ويدخل المدينة عبر بوّابة لؤلؤية؟… كلا. بل عليه أن يبلغها على متن سفينة أو قارب. لذلك عندما كان يموت رجل عجوز من الفايكينغ كانوا يضعون جثمانه على قارب. وكان يغطّى بالأغصان وغيرها من المواد القابلة للاشتعال، ثم توقد النار بالقارب. كانت النار توقَدُ عادةً بالقارب عندما يحلّ الظلام، ثمّ يسافر الفايكينغ الميّت في قاربه المشتعل مع مدّ الليل. لقد رحل إلى الفالهالا، حيث سيستمتع بوليمته، ويرقص ويقاتل، كما كان يفعل أثناء حياته على الأرض.
ومن أين استوحى الفايكينغ هذا المفهوم عن الحياة بعد الموت؟ لم يكن هذا المفهوم سوى انعكاس البيئة المادية التي يعيش ضمنها الفايكينغ على عقولهم. كانوا عابدين للطبيعة من جهة ولآلهة شخصية من جهةٍ أخرى، خلقوها بأنفسهم وعلى صورتهم الخاصّة. هذه هي الأشياء والأمور التي كانوا يرغبون بها في الحياة، والتي كانوا يقدّرونها ويقيّمونها، والتي أرادوا أن تستمرّ لهم في الحياة الأخرى. ما زلنا حتى الآن نلاحظ بقايا وآثار من الميثولوجيا الاسكندنافية وأوروبا الغربية منها بعض أسماء أيام الأسبوع: Sunday/الأحد يوم إله الشمس، Monday/الاثنين = Moonday/إله القمر. يوم أودِن Woden s day أوWednesday/الأربعاء. يوم ثور Thor s day= Thursday/الثلاثاء. ويوم الجمعة فريغ أو فرييا Frigg s/Friia s day= Friday. وهناك يوم السبت Saturday وهو ببساطة يوم الإله ساتورن. طبعاً لغتنا الحالية مليئة ببقايا أسماء من معتقدات بدائية وبربرية، وبالتأكيد ما زالت لدينا الكثير من العادات والتقاليد والطقوس والممارسات البدائية والبربرية التي ما زلنا نمارسها ونطبّقها حتى يومنا هذا.

10) الآلهة الإغريقية

رأينا من قبل كيف أنّ بدائيي أمريكا الشمالية قد تخيّلوا جنّتهم أو فردوسهم كانعكاس لمحيطهم المادي الذي يعيشون فيه، ورأينا كيف أنّ الفايكينغ الاسكندنافيين، الشعوب الأرقى، فعلوا نفس الشيء ضمن بيئة مختلفة. والآن سنلقي نظرة على المعتقدات الدينية لحضارة مبكّرة: الحضارة اليونانية، أو الإغريق في ذروة عظمتهم الإمبريالية، قبل صعود الإمبراطورية الرومانية، خلقوا لأنفسهم مجموعة رائعة وعظيمة من الآلهة والإلهات. وقد خلّفوا لنا تماثيل رائعة الجمال لآلهتهم، وقد صوّروها على صورتهم الخاصّة. كانت آلهة جميلة، قوية، ذات مظهر خلاّب ورياضي. كما أنّها كانت تحمل سمات وميّزات طبقة النخبة التي يمكن تمييزها بسهولة. يمكننا القول وببساطة شديدة أنّ الإغريق في تلك الحقبة كانوا يقدّسون ويؤلّهون أنفسهم.
كان المجتمع الإغريقي مقسوماً إلى طبقتين متمايزتين رئيسيتين: طبقة السادة وطبقة العبيد. والطبقة الثانية كانت تقوم بكافة الأعمال القاسية والمضنية. أمّا الأولى مكان طبقة حرّة متفرّغة للأعمال والمساعي الفكرية. وعندما نفهم هذه الوقائع ندرك عندئذٍ عدم وجود معتقدات بدائية بربرية بين الشعوب الراقية والمتقدّمة. فبيئتهم كانت أكثر تعقيداً وعكست نفسها في عقول الإغريق على شكل ديانة معقّدة.
لقد أنجبت الحضارة الإغريقية العديد من الفنانين، النحّاتين، المعماريين، والفلاسفة العظماء على مستوى عالٍ جداً. لقد بنوا مدناً رائعة. وما زالت أبنيتهم وصروحهم المعمارية مقياساً للبناء العظيم والرائع. كانت حياتهم الاجتماعية مليئة بالروعة والعظمة. لم تظهر تلك الآلهة الخشنة والفظّة التي خلقّها النرويجيون لأنفسهم في بيئة متحضّرة كالمدن الإغريقية.
لكنّ الإغريق لم يفعلوا كما فعل البدائيون والبرابرة، فهم لم يخلقوا فردوساً وآلهة مختلفة وبعيدة عمّا فرضته عليهم بيئتهم المادية ونمط عيشهم ضمن تلك البيئة. نجد بأنّ الإغريق كانوا يؤمنون بآلهة متعدّدة، وأنّ هذه الكائنات الماورائية كانت تتشارك مع بعضها القوى والقدرات التي تنسبها شعوب الحضارات المتقدّمة لإلهها الواحد. بمعنى آخر، حيث تسود فكرة الإله الواحد مطلق القوة، فإنّه يقوم بكافة الوظائف والمهام لوحده، إلا أنّ الإغريق قسّموا هذه الوظائف والقدرات وخصّصوا لكلٍ منها إلهاً أو إلهة.
كان رئيس مجمع الآلهة هو الإله زيوس. كان كبير عائلة الآلهة ووالدهم. كان يقطن على جبل الأولمب، فردوس الإغريق. وكانت هناك مجموعة من الآلهة التي تشاركه إدارة شؤون العالم والناس. كان هناك أبوللو وشقيقته التوأم أرتيميس، أولاد زيوس وليتو.
كان أبوللو يشرف على العديد من مراحل النشاط البشري. كان إله الزراعة، كان منزّل المطر والندى، كان مانع المرض والأوبئة، حامي القطعان والمراعي. كان يبعد الذئاب. كان يحمي الصغار والأطفال، وراعي الألعاب الرياضية. كان إله التنبؤ والنبوءات، كما أنه كان موسيقياً رائعاً. كان يسلّي الآلهة بموسيقاه التي يعزفها على قيثارته.
كان الصراع بين الآلهة وبين أقدارها المتغيّرة هي التفسير الوحيد للصراعات المبكّرة والأقدار المتغيّرة للبشر. فالانتصارات التي حقّقها الإغريق على أعدائهم كانت تنسب لانتصار آلهة معيّنة على آلهة أخرى. فظهور ظروف حياة اجتماعية جديدة وتغيّرها في اليونان، أو دخولها في عهد انتكاسات وأزمات، كان ينظر إليها بنفس الشكل.
أرتيميس شقيقة أبوللو التوأم، أشبه ما تكون بأبوللو المؤنّث، كانت آلهة الصيد. هي شبيهة بديانا، إلهة الصيد عند الرومان. فعندما توسّعت الإمبراطورية الرومانية وابتلعت الحضارة اليونانية، أخذت معها آلهتها بأنواعها. صحيح أنه جرى تغيير لبعض أسماء الآلهة، ولبعض صفاتها، لكن بشكلٍ عام كان الدين الروماني مُطَعّم بالدين اليوناني. كانت أرتيميس إلهة الزراعة، وبشكل خاص الحصاد، والتي احتفظ الإغريق بحصّة من أضاحيهم لها. كانت الأشجار والخضروات بشكل عام تحت سيطرتها، بالإضافة إلى إشرافها على الحيوانات البرية في الغابات.
ثمّ هناك الإله أورفيوس، رجل مؤلّهة كان مسؤولاً عن الموسيقى. والرجل المقدّس هو الذي كان أحد والديه من البشر والآخر من الآلهة. كان من المفروض أنّ أورفيوس هو ابن أوياغروس، ملك تراقية، وكاليوبي، إحدى العرّافات. يقال أنّ أبوللو قد أهداه قيثارة ذهبية. وقد علّمته العرّافات (إلهات الموسيقى) العزف على القيثارة، فأتقن العزف عليها لدرجة أنّ وحوش الغابة المحيطة بسفح جبل الأولمب وحيواناتها كانت تخرج من كهوفها وأوكارها وتلحق بالموسيقي، حتى أنّ الأشجار والحجارة كانت تترك أماكنها للحاق به، وكانت الجداول والأنهار تتوقف عن الجريان في مجاريها بفعل موسيقاه الساحرة.
آريس كان إله الحرب (وكان يعرف بمارس عند الرومان). كان يجد متعته في القتال والمعارك، لكنّ منافسته في التخطيط الحربي كانت الإلهة أثينا. طبعاً كان لآريس صفات أخرى، لقد كان الآلهة في بعض الأحيان يغيّرون وظائفهم ومهامّهم. كانوا يحصلون على مهام مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة.
أثينا (أو منيرفا كما كانت تعرف بين الرومان) كان إلهة المثقفين، آلهة الفكر، التعقّل، الفطنة السياسية، الزّعامة والقيادة… إلخ. كان الزعماء والقادة السياسيون يقدّمون أضاحي في معبدها يصلّون لها ويمجّدون صفاتها ومواهبها.
فينوس كانت آلهة رومانية، كانت إلهة الحب والجمال (كانت تعرف باسم أفروديت عند الإغريق)، وكانت تمتلك القدرة على تغيير الفؤاد، الذي كان يُعتقد فيما مضى أنّه مركز المشاعر. كان قادرة على تحويل الكراهية إلى حب. كانت أفروديت يصحبها دائماً ابنها الصغير، إيروس، أو كيوبيدوس (كيوبيد)
كانت هيبه إلهة الجمال الأنثوي والنضارة والأنوثة. كانت تعرف عند الرومان باسم جوفينتاس. وكونها إلهة الشباب والنضارة كانت تمتلك القدرو على إرجاع المرأة العجوز إلى شابّة فتية في سنّ الصبا. بمعنى آخر كانت تمتلك القدرة على تجديد البشر.
كونكورديا كانت إلهة الوفاق والإلفة والوئام عند الرومان. كانت مسؤولة عن الخلافات بين البشر. كانت مسالمة جداً وتحمل في يدها غصناً من الزيتون.
أطلس، كان جباراً من الجبابرة الذين أعلنوا الحرب ضدّ زيوس. إلا أنّ زيوس قد هزمه وحكم عليه بحمل السماء على رأسه وكفّيه. لاحقاً تمّ تصويره وهو يحمل الأرض. وهناك أسطورة أخرى تروي أنّ زيوس قد حوّله إلى جبل أطلس، الذي يحمل السماء وكل ما فيها من نجوم.
نيسه (فيكتوريا عند الرومان) كان آلهة النصر. وكان يتمّ تمثيلها عادةً بفعل تسجيل المنتصرين لفتوحاتهم وانتصاراتهم على دروعهم، أو على ألواح. كانت ترى أحياناً وهي تقود جيادها بنشوة المنتصر. شقيقها كان زيلوس، إله الحماس والاتّقاد والنشاط والقوّة.
فولكانوس، أو فولكان، كان إله النار عند الرومان، إله الفرن. كانت عملية الانصهار تحدث بفضل غضبه. كان يتمّ استرضاؤه عن طريق تقديم الأضاحي له. وكانت ترمي الأطايب والبخور في النار في مناسبات معيّنة كهدايا وأضحيات باسمه.
فيستا كانت آلهة البيت والموقد عند الرومان. وكان لها معبد تشتعل بداخله نارها الأبدية، وكان يزور المعبد عذراوات نقيات مثلها. إنها تمثّل التأثير المطهّر والنقي للنار.
هذه الأمثلة عن الآلهة والإلهات تبيّن لنا كيف أنّ الإغريق والرومان من أجل السيطرة على مختلف مراحل حياتهم الاجتماعية قد اخترعوا كائنات خيالية، شكّلوها على صورتهم الخاصّة وأسبغوها عليها صفاتهم وسماتهم، آمالهم وأحلامهم، مخاوفهم ومشاعرهم الخاصة.

11) الأولمب

كان الإغريق، كغيرهم من الشعوب الأخرى، يريدون أن يعودوا إلى الحياة مرةً أخرى بعد الموت. وسندرس الآن المكان الذي كانوا يريدون الذهاب إليه بعد موتهم وماذا كانوا يريدون أن يفعلوا. إلا أنّ فكرة الحياة مرّةً أخرى بعد الموت، تذكّرني بقصّة رجل أيرلندي كان على وشك الموت. استدعوا له الكاهن فوجده يحدث ضجّة كثيرة وهو في طريقة لمغادرة هذه الحياة. فقال له الكاهن: ((تشجّع يا بات، تشجّع يا ولدي… فلن تموت سوى مرةً واحدة)) فأجابه بات المحتضر: ((الإيمان يا أبتي! إنّه الشيء الوحيد الذي يقلقني ويعذّب روحي. فأنا أرغب بالحياة والموت عدّة مرّات)). هنا نحن أمام حالة تعبير غريزية عن الرغبة في البقاء على قيد الحياة. جميع الناس لديهم هذه الرغبة في الحياة والإغريق لم يكونوا استثناء. بالتأكيد كان هناك من بين أكثر مثقفيهم وفلاسفتهم علماً ومعرفةً وحكمة من لم يكن يؤمن بالأمور الماورائية، ولا بالحياة بعد الموت.
عندما كان يموت الإغريقي، فإنّه كان يرغب بالصعود إلى الأولمب والعيش بين آلهته، ولم يكن فردوسه مجرّد مدينة، ولا مجرّد أرض صيد سعيدة، أو قاعة احتفالات وولائم، إنّما أشبه بحلبة ألعاب رياضية. هذه الجنّة لم تكن سوى عبارة عن انعكاس عقلي لحياتهم المادية، حياتهم وشؤونهم الدنيوية.
كان هناك بستان كبير وشاسع في إليس، في القسم الشمالي من ألفيوس، حيث كان يجري الإغريق منافساتهم وألعابهم الرياضية. هذه الألعاب هي نفسها الألعاب الأولمبية التي كانوا يقيمونها كل أربع سنوات. أمّا الفترة الزمنية الفاصلة بين هذه الألعاب، فترة الأربع سنوات، كانت تسمىّ بالأولمبياد.
كان الإغريق يعتقدون أنّ الآلهة كانت تراقبهم وتشاهدهم أثناء ممارسة ألعابهم الأولمبية من سباق القدم، إلى سباق الخيول والعربات، وأنّ الآلهة كانت تنحاز للمتسابقين وتشجّعهم وتفاضل بينهم. هكذا كان عالمهم الرائع. هكذا أرادوا أن يكون فردوسهم على هذا النحو، كمحبّتهم للطبيعة وللتمارين الرياضية. كان يرغبون في العيش على جبل الأولمب إلى أبد الآبدين بصحبة آلهتهم، وكانوا يؤمنون بأنّ حيواناتهم الأليفة والمفضّلة ستكون هناك معهم، وأنّ سباقات العربات وغيرها من التمارين والألعاب الرياضية ستستمرّ في حياتهم المستقبلية. طباً بعضهم آمن بوجود أكثر تعقيداً بعد الموت، لكنّ ما ناقشناه في الأعلى كان الاعتقاد العام والسائد.
وسّع الرومان إمبراطوريتهم وابتلعوا مع توسّعهم الإمبراطورية اليونانية. استولوا على فنون ومنجزات الحضارة الإغريقية كما أنّهم نقلوا أغلب أساطيرهم وميثاتهم. في بعض الحالات طوّر الرومان آلهتهم على أساس مفاهيم ومعتقدات إغريقية. لكن مع الامتصاص التام والكامل للحضارة اليونانية، نجد أنّ الآلهة الرومانية، بأسمائها المختلفة، لها نفس الصفات والمهام التي تتميّز بها الآلهة الإغريقية، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ البيئة كانت نفسها بالنسبة إلى الحضارتين، بالإضافة إلى الترابط التاريخي والاجتماعي بينهما.
هناك شيء واحد أكيد وهو أنّ جميع هذه المفاهيم اللاهوتية والثيولوجية كانت نتاج البيئة والحياة الاجتماعية للإغريق والرومان. كانت هاتان الناحيتان انعكاساً “روحياً” لحياتهم المادية. فأساس أفكارهم ومعتقداتهم مثلهم مثل أي شعب آخر من الشعوب التي تستمدّ أفكارها ومعتقداتها من حياتها المادية، وقد تطوّرت بناءً على تقدّمهم المادي. وفهم هذه الحقيقة بالذات يشكّل مضمون المفهوم المادي للتاريخ.

12) المحمديون

ما كان يصحّ على الإغريق، الفايكينغ، أو الهنود الحمر، يصحّ أيضاً على الشعوب الآسيوية. حيث لعبت المدنية دوراً هاماً في حياة الناس، بالإضافة إلى أنّ التجارة (بيع وشراء المنتجات الثمينة) كانت شغلهم الأساسي، نلاحظ أنّ معتقداتهم الدينية تتوافق مع نمطهم المادي في العيش وكل ما يحيط بهم من طبيعة مادية.
دعونا ندرس حالة المحمديين (المسلمين). فجنّتهم عبارة عن مدينة. “فردوسهم” أشبة كما يكون بمدينة مكّة سماوية. وكثيراً ما يقول رجال الدين المحمديين للمؤمن الفقير أنّه لا ينبغي أن يشغله الفقر إذ أنّ الله سيعوّضه من كل ما هو محروم منه في الجنّة أضعافاً أضعاف. فعندما يذهب إلى الجنة ستقابله هناك حور عين عذراوات. قد يكون لديه زوجة واحدة وجمل واحد في حياته على الأرض، لكنّه سيمتلك آلاف الزوجات وقطعان مؤلّفة من الجمال. سيؤمّن الله له في جنّته كافة الأشياء التي أحبّها ورغب بها على الأرض وسيعيش حياةً ملكية هناك، حياة لا تخلو من المتع والملذّات الشرقية.

13) المسيحيون

اليهودية: أساس المسيحية وخلفيتها. فقد بدأت كعبادة بسيطة لإله أبوي. القبائل الأبوية هي جماعات من الناس عادةً ما تكون منحدرة من خط دم واحد، هذا الأصل أو المصدر هو زعيم القبيلة أو كبيرها، والمسيحية تؤمن بإله أبوي: الأب في السماء. لنأخذ حالة إبراهيم على سبيل المثال، الأب الأول للشعوب، زعيم أو بطريرك لقبيلة أو جماعة، هو وعائلته، وجميع أولئك الذين يعتمدون عليهم عبدوا إبراهيم سماوي، أو بالأحرى يهوه. كانوا عبارة عن رعاة، وهمّهم الأساسي كان سلامة قطعانهم ومواشيهم. وكما كان الأب إبراهيم راعياً صالحاً، هكذا تصوّروا الأب السماوي كراعي صالح، يعتني بقطيعه البشري على الأرض.
خلال تلك الأيام كان الله يتنزّه مع إبراهيم ويتحدّث معه عن حاجاته وواجباته. كان إبراهيم بحاجة إلى الله في أعماله. كان جلّ ما يحتاجه هو الأرض التي يرعي عليها قطيعه، وطبعا لطرد قطعان الآخرين منها. نقرأ أنّ إبراهيم قد صعد جبلاً للتحدّث إلى الله. وعندما هبط من الجبل أخبر شعبه أنّ الله قد أعطاه كل الأرض على مدّ بصره من فوق قمّة الجبل وعلى امتداد الجهات الأربع… لقد وهبها الله له ولذريته من بعده إلى أبد الآبدين.
إذن حصل إبراهيم على حقه في الأرض من الأعلى. وكان ذلك الحق الوحيد في الأرض في زمن الإقطاعية الأوروبية. “الحق الإلهي” للملك وأتباعه الأرستقراطيين كان هو السلطة الوحيدة التي يملكونها لتقسيم أراضي أوروبا وتوزيعها بين بعضهم البعض. وبنفس الشكل الذي تقبّل فيه عبيد إبراهيم ذلك التفسير كذلك فعل العباد المؤمنون بالخرافات في العصور الوسطى، وعندما كان يروي الكهنة والقساوسة نفس النوع من القصص والأساطير على الجمهور المؤمن،كانوا هؤلاء بدورهم على أتمّ الاستعداد للخضوع لإرادة الله وخدمة الإقطاعي أو مالك الأرض الذي يحمل حقّاً إلهياً فيها، وتفويضاً مباشراً من الله.
كان الفلاحون في بعض الأحيان يهدّدون بالثورة، وقد قاموا بذلك في عدّة مناسبات. فعندما كانوا يشتكون من طغيان أسيادهم الأرستقراطيين، ويهدّدون بحمل السلاح في وجوههم، كان الكهنة مستعدّين على أتمّ الاستعداد للإشارة إلى أنّ هذا التخطيط الاجتماعي هو من عند الله. فالله هو من جعل الغني غنياً والفقير فقيراً، هو من عيّن الملك كما عيّن الخدم والعبيد. فهم قد حصلوا على أراضيهم وامتيازاتهم منه مباشرةً. حقوقهم كانت حقوقاً إلهية، أمّا التدخّل في هذا التخطيط الاجتماعي يعني التدخّل بالخطّة الإلهية وتحدّي إرادته على الأرض.
كان هذا النوع من الحجج يربك الفلاحين المؤمنين والبسطاء والسّذّج، فمن غير المقبول بالنسبة لهم أن يكونوا بهذه الدرجة من الكفر والزندقة ليتحدّوا إرادة الله ومشيئته. فإذا كان الله هو من خلقهم فقراء، وفي هذه المكانة المتدنية، فعليهم أن يتحمّلوا وضعهم هذا ويتقبّلوه بكل بساطة. كانت الكنيسة تشير دائماً بأنّ معاناتهم ربّما تكون منزّلة من عند الله لاختبار إيمانهم، بل عليهم أن يكونوا مبتهجين وسعداء لأنّ هذا العالم ما هو إلا وادِ من الدموع والألم، حجّ إلى الظلام يقودهم إلى عالم النور الذي يتجاوز هذا العالم. فإن كانت معاناتهم شديدة هنا، فستكون أخفّ في الحياة الأخرى. سيرون السعادة في الجنّة بالقرب من الله. وكل تلك الأمور والملذّات التي حُرِموا منها على الأرض سيعوّضها الله لهم لاحقاً في الجنة. فسعادتهم ستبدأ في اللحظة التي تعقب وفاتهم.
كان هذا هو الدور الأساسي للكنيسة فيما يتعلّق بعلاقتها بالفلاح، لكبح روحه الثورية بوعود خلّبية عن السعادة بعد الموت. وعندما فشلت هذه الطريقة، كما كان يحدث عادةً، قام الأرستقراطيون _وبمباركة الكنيسة_ بإخماد ثورة الفلاحين “العُصاة” بالنار والسيف.
لكن بالعودة إلى “بني إسرائيل” نجد أنهم لم يعودوا شعباً من البدو الرعاة، فلاّحي التراب، بل توسّعوا وتضخّموا ليصبحوا أمّة قوية، وغزوا القدس/أورشليم وحرّروها من اليبوسيين، ثمّ مرّت ديانتهم بمنعطف تاريخي حاد. فبعد أن تحوّلت المدينة المفتوحة إلى مركز تجاري كبير وكانت فلسطين محكومة من قبل اليهود، انقسم الشعب إلى فئتين متمايزتين، الأغنياء والفقراء. فانقسم دينهم إلى طائفتين. إحداها أوّلت الديانة اليهودية من وجهة نظر الأغنياء والأخرى أوّلتها وفسّرتها من وجهة نظر الفقراء. كانت أورشليم، منذ أيام الرومان، من أهمّ المدن في الإمبراطورية. وكانت خاضعة للجباة وجامعي الضرائب من الرومان وأساليبهم. وكان على شعبها أن “يعيدوا لقيصر ما لقيصر”. لقد حصّل الرومان الكثير من مستعمرتهم اليهودية، كما فعلوا مع غيرها من مستعمراتهم في الأقاليم الأخرى.
لم تعد المراعاة الدينية للشعب اليهودي مجرّد عبادة بسيطة لإله راعٍ. بل لقد أظهر معبدهم العظيم بالإضافة إلى أغلب كهنتهم وحاخاماتهم مظاهر نظام اجتماعي أكثر تعقيداً. التبادل النقدي والمالي، التعامل بالمعادن الثمينة ومختلف أنواع البضائع التجارية كان الشغل اليومي لقسم كبير ومعتبر من السكان. إلا أنّ هناك من كانوا يعملون “جامعين للحطب وجالبين للماء”. كانت هناك طبقة عبيد، مكوّنة أساساً من أسرى، خارجين عن القانون ومطاردين، كما هي الحال عبر مختلف أقاليم الإمبراطورية الرومانية. كانت أورشليم مدينة غنيّة بشكل عام. ومخازنها كانت مليئة بالضائع والسلع الثمينة والغالية.

14) أورشليم الجديدة

إنّ البيئة التي عاش فيها الشعب اليهودي هي مصدر فكرتهم عن الحياة بعد الموت التي ستكون شبيهة تماماً بحياتهم على الأرض. فجنّتهم عبارة عن مدينة كبيرة، أورشليم السماوية. كانوا يؤمنون بأنّهم سيصعدون إلى السماء حيث البوّابة اللؤلؤية عبر سلّم ذهبي، ويسيرون على شوارع وطرقات من الذهب الخالص. في البداية سيمثلون أمام مجلس سماوي للمحاكمة، تماماً كما كانت حالهم على الأرض. فهم لم يأتوا بأفكارهم عن السماء والجنّة من خارج بيئتهم المادية. لقد قاموا ببساطة بأخذ نموذج أورشليم كما هي على الأرض وإسقاطها على السماء. لقد تحوّل الله من راعي قديم إلى قاضي حاكم، أشبه ما يكون بالقاضي سليمان، لكنه من نوع سماوي.
وهكذا فالمسيحية، في حين أنّ جذورها تمتدّ عميقاً في ميثولوجيا الشعب اليهودي، هي نتاج أوروبا. فقد نشأت وترعرعت في قلب الإمبراطورية الرومانية، وفي مدينة روما بالتحديد. ويمكننا العثور على الظروف المادية التي أسّست لظهور المسيحية خلال مرحلة انحدار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها.
لقد أصبح عمل العبيد وفيراً جداً لدرجة أنّه أجبر الرومانيين الأحرار من الطبقة العاملة على ترك أعمالهم والتنحّي جانباً. فقد استولى العبيد على عقاراتهم. لذلك أصبح الرومان الفقراء في المدن الكبرى من دون عمل. حتى أنّه قد تمّ تحرير العديد من العبيد لانعدام الحاجة إليهم. كانت الدولة هي المسؤولة عن إطعام هذه الكتلة من العمال العاطلين. أمّا الدعاية الجديدة: المسيحية، التي أخبرتهم أنّ “العبد صالحٌ كسيّده”، قد لاقت الكثير من الإعجاب عند طبقة العبيد والجماهير العاطلة عن العمل. هذه كانت ديانتهم، الديانة التي تقول: ((طوبى للفقراء، فمملكتهم في السماء)). وقالت للطبقة العمّال العاطلون والمتضوّرون جوعاً ((طوبى للجوعى الآن، ستشبعون)). ولكبح العبد قالت له: ((طوبى للذين يبكون الآن، فهم سيضحكون أخيراً)). فالجنّة هي مكان للفقراء، وليس للأغنياء الجبابرة والطغاة. لقد بشّرت المسيحية: ((حقاً أقول لكم: أنّ الغنيّ لن يدخل الجنّة، فمن الأيسر أن يمرّ جمل من سمّ الإبرة، على أن يدخل غنيٌ مملكة الرب)).
سمع العبيد المحرّرون والبروليتاريون العاطلون في المدن الكبرى لهذه الدعاية من الدّعاة المبشّرين المسيحيين. لم يكن لديهم أي أمل هنا على الأرض. فالطبقة البروليتارية في تلك الأيام لم تكن مساهمة في عملية الإنتاج. لم يكونوا يشاركون في الأعمال. فأماكنهم ملأها عمال من طبقة العبيد. لم يعودوا يملكون شيئاً في هذه الحياة.
بينما طبقة البروليتاريين، طبقة العمّال المأجورين، هي من تملك مفاتيح المستقبل بأيديها. فطبقتنا [البروليتاريا] هي التي تواصل عملية الإنتاج. من تنظيف الأرضيات في المعامل الحديثة، إلى أعلى مدير تنفيذي فيه، الصناعة الآن مستمرة وقائمة بفضل العاملين غير المالكين، البروليتاريين، الأيدي العاملة المأجورة. بينما البروليتاريين الرومان كانوا مستبعدين تماماً عن عملية الإنتاج. لم تكن هناك آلات في تلك الأيام، باستثناء الآلة البشرية: العبيد.
كانت المسيحية، في بدايتها، ديانة للعبيد حصرياً. ومع مرور الوقت، قد أحكمت قبضتها على الجماهير وعامة الناس لدرجة لم تعد معها الطبقة الحاكمة قادرة على تجاهلها. حاولوا إخمادها بالنار والسيف، لكنّ كل محاولاتهم باءت بالفشل. كان الجوّ مناسباً لها. نضجت الظروف الاجتماعية وباتت جاهزة. لم يكن هناك نظام اجتماعي أعلى سيظهر للعيان خارجاً من العبودية الرومانية، كما لا يظهر أي شيء اليوم من عبودية الأجر. لم يكن أمام العمّال أي أمل على الأرض، بل كان هناك وعد بالسعادة فيما وراء القبر. كانت الإمبراطورية الرومانية بكاملها تموت وتتداعى. لقد اندثرت من الوجود بالكامل. لقد قام أحد الأباطرة _قسطنطين_ بما كان محتوماً. لقد اعتنق المسيحية. وتحوّلت بذلك المسيحية إلى دين رسمي، دين للسادة، وبقيت كذلك منذ ذلك الوقت.

15) الإقطاعية

عندما اجتاحت قطعان البرابرة جميع أقاليم الإمبراطورية كانوا يعبدون آلهة قبلية من عدّة أنواع مختلفة، كانت تمثّل عادةً حياتهم الرعوية، أو عناصر الطبيعة التي جعلهم أسلوب حياتهم قريبين منها وعلى احتكاك دائم بها. وسبق لنا أن فسّرنا هذا الانعكاس العقلي كما جرى التعبير عنه في الميثولوجيا الألمانية والاسكندنافية.
عندما كان هناك نظام اجتماعي جديد قد بدأ بالظهور من القبائل الاشتراكية الحرة في أوروبا، نظام يقوم على ملكية الأراضي واستعباد الذين لا يملكون الأرض، أحرز المسيحيون خطوة نحو الأمام. فالشعوب البربرية في أوروبا الشرقية والشمالية قد اعتنقت الديانة المسيحية، وقد فرضت عليهم على الأرجح بحدّ السيف على أيدي حكّامهم. طبعاً، كأي دين من الأديان الأخرى، مرّت المسيحية بمنعطفات تغييرية لتتناسب مع البيئة المحيطة والمتغيّرة.
هذا النظام الاجتماعي الجديد، القائم على ملكية الأرض، والمقسّم بحدّة لعدّة طبقات متمايزة، كان النظام الإقطاعي Feudalism. وقد انتشر في جميع أرجاء أوروبا مع مرور الزمن. لقد استعبد رجال القبيلة الأحرار سابقاً وجعلهم مجرّد عباد. وأصبح زعماء القبائل وأقاربهم المباشرين هم الأرستقراطية الجديدة. وعلى رأس كل دولة إقطاعية كان هناك ملك. أمّا الله فكان ملكاً سماوياً. بعد الملك يأتي اللوردات الذين احتكروا الأراضي وقسّموها بين أنفسهم إلى إقطاعيات حكموها بالقوة والسوط. الراعي الصالح، يسوع اللطيف، الأخ الصغير للفقراء، لم يعد موجوداً، بل رُفِع إلى مرتبة أرستقراطي. لقد أصبح “سيّدنا Our Lord”. لم يكن عبداً أو فلاّحاً يقتدى به وبأفعاله وتعاليمه، بل أصبح سيداً.
أوّلت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الديانة المسيحية من أجل أوروبا بكاملها. لم يكن بوسع الأرستقراطيين لا القراءة ولا الكتابة. لم يكن هناك أي “تعليم” خارج الكنيسة. ولكن… مع ظهور وتطوّر طبقة جديدة ضمن النظام الإقطاعي _طبقة التجّار_ بدأت المعرفة بإحراز خطوات تقدّمية صغيرة خارج الدوائر الإكليروسية. وظهر عصر النهضة من الحاجة إلى وجود طبقة التجار.
صارعت الكنيسة وبقسوة ضدّ تقدّم المعرفة. وكانت المحاكمات، والحرق على الوتد، ومحاكم التفتيش أساليب لجأت إليها الكنيسة لمقاومة الترياق الشافي من فكرة احتكارهم “للحقيقة”.

16) الإصلاح

كانت البروتستانتية السّمة التي انطلت في النهاية على المذاهب التي جرى إدخال الإصلاح عليها في المسيحية. كان البروتستانت معارضين ضدّ الاحتكار الروماني، وزعم الرومان أنّهم الوحيدون القادرين على تفسير الكتاب المقدّس. لم يكن في نيّتهم إقصاء الكنيسة الكاثوليكية، بل كانوا يريدون إصلاحها بما يتوافق مع مصلحتهم. لكنّ الكنيسة كان من المتعذّر إصلاحها، إذ أنّها كانت مصرّة على أنّ الطبقة الحاكمة القديمة، طبقة الأرستقراطيين، بالإضافة إلى الكنيسة نفسها، هم الوحيدون الذين يمتلكون امتيازات. لذلك، ظهرت كنيسة مسيحية جديدة ونمت وازدهرت بالقرب من الكنيسة القديمة.
ما هو التفسير التاريخي للبروتستانتية؟… كان البروتستانتية نتاجاً طبيعياً لصراع طبقي جديد أخذ بالتطور في أوروبا. طبقة التجّار الجديدة، البائعين، والصُنّاع، كانوا في أغلبهم من سكّان المدينة. تطوّرت البلدات وازداد عددها، في حين أنّها في أيام الإقطاع كانت معدودة، ولا يتجاوز عددها عدّة مدن. نال المواطنون، بعد صراع طويل، معياراً للحرية، لكنّ كانوا يريدون أكثر من ذلك. خارج البلدات، في الأمم بشكل عام، اشتدّت قبضة الملوك والأرستقراطيين. فرضوا ضرائب ثقيلة على المواطنين، الذين لم يعودوا عبيداً وخدماً لهم بل أصبحوا مواطنين، وحكموهم بقبضة حديدية. كان مواطنو البلدات منجين صناعيين من الطراز الأول. وكانت الثروة تتضخّم وتزيد بفضل جهودهم وإنتاجهم. لم يكن الأرستقراطيون منتجين، وكانوا يمقتون العمل، إلا أنهم كانوا المستفيدين الأوائل من عملية إنتاج هذه الطبقة الجديدة. لقد حصدوا ثمار العملية الإنتاجية لهذه الطبقة الكادحة عن طريق فرض الضرائب والأتاوى وكل طريقة ممكنة كانوا يتعاملون فيها مع خدمهم وعبيدهم.
اشتكت هذه الطبقة الجديدة _الرأسماليين الأوائل، مليونيرية الزمن الحالي_ إلى الكنيسة. إلا أنّ تلك المؤسسة _التي تمتدّ جذورها الاقتصادية في ملكية الأراضي_ التي تعتبر من أكبر المؤسسات الأرستقراطية في تلك الفترة، كانت تمتلك حوالي ثلث أراضي أوروبا، فانحازت إلى جانب الملوك والأرستقراطيين ضدّ طبقة الرأسمالية الصاعدة. قالوا لهم بأنّ الملوك يستحيل أن يخطئوا أو يذنبوا، وأنّهم كانوا جزءاً من الخطّة الإلهية لتعيينهم ملوكاً على الناس، وأنّ الأرستقراطيون يتمتّعون بحقوق لحكمهم يستمدّونها من الله العليّ مباشرةً.
هكذا كان جواب الكنيسة، وكان نهائياً. ولم تكن تسمح بأيّة نقاش أو جدال. ليس بوسع الرأسماليين سوى تحمّل معاناتهم وما كتبه الله لهم. لقد كان التنظيم الاجتماعي في ذلك العصر إلهياً. كل شيء كان حسب إرادة الله ومشيئته. إلا أنّ المواطنين، بعد أن تعلّموا القراءة والكتابة، قد بدأوا في البحث عن “أصل جميع الحكم” بأنفسهم. فوجدوا الكثير في الكتاب المقدّس، وبشكل خاص العهد القديم، لتبرير نظرتهم الاجتماعية. بدأوا بالتبشير ضدّ الحكم الملكي المطلق، وضدّ فكرة عصمة الملك. وقد أدّى بهم ذلك إلى التشكيك بعصمة البابا نفسه. أمّا جواب الكنيسة على ذلك فكان القمع والاضطهاد، محاكم التفتيش والموت لجميع من الكهنة والقساوسة الذين انتهكوا عهودها. كان للبروتستانتية تاريخاً طويلاً من التضحية والشهداء. لكن في النهاية حان عهد النصر بالنسبة لها.
كان الإصلاح اللوثري في ألمانيا يمثّل انتصار الطبقة الجديدة. لقد تمثّل في تكيّف المسيحية مع الظروف والحاجات الاقتصادية للطبقة البرجوازية. كانت البروتستانتية في بداية عهدها مجرّد كاثوليكية معدّلة. إلا أنّ الفلاحين، ذوي الاحتياجات الاقتصادية المختلفة وفي بيئة مختلفة تماماً، قد طوّروا خلال عهد الإصلاح مذهب بروتستانتي أكثر تشدّداً. فلم يكتفوا بالاعتراض ضدّ الكنيسة ومُلاّك الأراضي فقط، بل ثاروا ضدّ احتكار أي نوع من الملكيات. لقد نادوا بمشاركتها والتشارك بها. تمّ سحق المذهب القائل بتجديد العماد Anabaptism وأنصار كنيسته بقيادة توماس منزر وغيره في زمن لوثر، من قبل الرأسماليين ومُلاّك الأراضي، هاتان الطبقتان صارعتا لمحاربة الخطر المشترك الذي يهدّد بحرمانهما من امتيازاتهما. إلا أنّ عملية التطوّر الاجتماعية مستمرة على قدمٍ وساق. فقد تطوّر المذهب اللوثري مع تطوّر النظام الرأسمالي حتى أصبح يعبّر عن الحاجات الاجتماعية للرأسمالية في مراحلها المتقدّمة.
في بريطانيا، كان الإصلاح عبارة عن كفاح استنزاف طويل الأمد. وأكثر المراحل شهرةً خلاله كانت الحرب الأهلية الإنكليزية. فقد تمكّن أوليفر كرومويل وأشقّاءه البروتستانتيين من القضاء على السلطة المطلقة للملك تشارلز الأول والإطاحة بالأرستقراطيين الأسقفيين والكاثوليك القساة. لقد قطع رأس الملك على المقصلة بالإضافة إلى سقوط الكثير من الأرستقراطيين في أرض المعركة. كان الإصلاح _مع أنّه كان يرتدي عباءة دينية_ يمثّل صراعاً طبقياً شرساً. وقد تمّ خوضه من أجل مصالح مادية. وعند انتصاره، انطلقت يد الرأسمالية، وكان على الأرستقراطيين احتلال مكانة ثانوية، أو يتمّ القضاء عليهم نهائياً كطبقة. وهكذا كان مصيرهم بالضبط خلال الثورة الفرنسية.
البروتستانتية هي الشكل الذي تأخذه المسيحية لنفسها تحت ظلّ الرأسمالية. فهي تفيد في إضفاء صبغة قداسة على السرقات التي يقوم بها العبيد المأجورين. عبودية المتاع أمر محتقر وبعيد عن المسيحية، والقنانة على نفس النمط، أمّا عبودية الأجر فلا بأس بها. إنّ البروتستانتية، وبشكل عام الديانة المسيحية، تتناسب بشكل جيد مع النظام الاجتماعي الحالي. فهي تعدُ العامل بالسعادة بعد الموت. وهذا ما يجعله قانعاً بنصيبه الحالي في الحياة. المذهب البروتستانتي أكثر تعقيداً، وأقلّ دوغمائيةً، ويناسب أكثر كأمل جديد للعمّال في زمننا الحالي. طبعاً لقد مرّ المذهب عبر عملية تطورية طويلة الأمد، ولابدّ أنّ معظم مفاهيمه وأوجهه “الدوغمائية” الحالية قد اعتُبِرت من قبل المستعمرين المسيحيين، “آبائنا الحجّاج”، على أنّها من عمل الشيطان.

17) العمال الذين ظلّوا متديّنين

بعض العمال بقوا على درجة عالية من التديّن. إنّهم يعتقدون أنّ الحلّ النهائي لمشاكل العالم يكمن في اهتداء الجماهير إلى المسيحية. ومن غير المناسب السخرية من أولئك العمال واحتقارهم. فاللوم لا يقع عليهم كونهم متديّنون. هم مخلصون جداً في معظم الأحيان. وموقفنا تجاههم يجب أن يكون من قبيل الشفقة والتعاطف، ويجب بذل الجهود لإنقاذهم من نير معتقداتهم البدائية.
وأفضل طريقة لإنقاذ العمّال وإبعادهم عن الخرافات هي في منحهم المعرفة، معرفة حقيقية. فعندما تدخل المعرفة إلى العقل، تخرج المعتقدات الخرافية هاربة. والعلم هو أفضل دواء ضدّ الخرافة والجهل. فهو قائم على الحقائق والوقائع، وليس على الإيمان والتسليم. إنّه على النقيض من الدين الذي لا يحتاج لأيّة حقائق، بل يكفيه الإيمان الأعمى والتسليم. على الإنسان العلمي أن يكون مثقفاً ويعرف الكثير من الأمور. أمّا الإنسان المتديّن فليس من الضروري أن يمتلك أي معرفة أو ثقافة مهما كانت. ومع ذلك من غير الصحيح شنّ هجوم على العمّال لأنّهم وقعوا ضحايا بين براثن الدين.
في زمنٍ مضى كان يتمّ ضرب الأشخاص المجانين بالسوط. وكان يعتقد أنّ هذا العلاج فعّال. وهؤلاء المشرفون على هذا النمط من العلاج كانوا أناساً خرافيين، وكانوا يعتقدون أنّ الجنون كان نتيجة غزو أرواح شريرة للجسد البشري. وكانوا يلجأون للضرب بالسياط لإخراج هذه الشياطين والأرواح الشريرة وعلاج المريض. نحن الآن لا نعالج المرضى العقليين بهذا الأسلوب. نحن نعلم الآن أنّ المرض العقلي أو الجنون ما هو إلا حالة من حالات العقل ومن الممكن علاجها بوسائل عديدة وعن طريق أدوية مناسبة، لكن بالتأكيد ليس بالضرب بالسوط.
الدين أيضاً هو حالة من حالات العقل، لكنه في معظم الأحيان ليس حالة مرضية، باستثناء حالات معينة. فإذا كان العمال متديّنون فذلك يعود إلى تربيتهم ونشأتهم، إنهم ببساطة لا يعرفون شيئاً آخر غير ذلك. ما هم بحاجة إليه هو وجود معرفة حقيقية عن العالم من حولهم.
العمّال المتدينون غير منتظمين كجهاز للحكم. ونادرا ما ينشطون ضمن حركة العمل. وهذا لا يعود إلى كرههم لزملائهم في العمل، بل لأنهم يعتقدون/يؤمنون أنّ الـ”فيما بعد” أفضل من الـ “هنا الآن”. لقد جرى تعليم أولئك العمّال [برمجتهم] بأن يكونوا شاكرين وممتنّين بغضّ النظر عن ظروفهم وأحوالهم المادية. بهذا الشكل، سيغدو الدين أفضل وسيلة في يد الاستغلاليين ومستغلّي العمل. وهذا من أحد الأسباب الرئيسية في كون الرأسماليين ليبراليون جداً في التعامل مع أموالهم من أجل عمل الكنيسة. فلم تسمع عنهم أنهم يمنحون أموالهم أمكنة للعمل. أمّا الدين، في حين أنّه يساعد الطبقة الموظّفة، فإنه يدمّر طبقة العمّال. لهذا السبب بالضبط نسعى لإخراجه من عقول العمال، لأنّه يقف حجر عثرة في طريق تحرّرهم واستقلالهم الاقتصادي.

18) الطبقة العاملة الملحدة

في حين أنّ الطبقة الرأسمالية بذاتها عاجزة عن التخلّص من قيود الجهل والخرافة، إلا أنّ طبقة العمّال قادرة. طبعاً، هنالك العديد من الرأسماليين المتحرّرين من الخرافة، إلا أنّ السواد الأعظم منهم لا يستطيعون التحرّر منها بسبب نمط حياتهم. أمّا الأفراد الأكثر تقدّماً وثقافةً من تلك الطبقة غالباً ما يحرّرون أنفسهم من الطقوسية ويتبنّون موقفاً أكثر “سعةً وتسامحاً” فيما يتعلّق بالمسائل الدينية، لكن عندما يسألون ما إذا كانوا يؤمنون بإله غالباً ما يكون جوابهم بنعم. وعندما تطلب من تحديد مواصفات أو سمات إلههم، فإنّهم سيعطونك أكثر الأجوبة غموضاً وضبابيةً. وغالباً ما تتحوّل الأجوبة إلى تصريحات غريبة على نحو: ((هناك شيء ما، في مكان ما، موجود بشكل ما، هو علّة الوجود))… وهذا الكلام هو الخطوة الأخيرة خلال الانحدار إلى مستنقع الخرافة. أغلب الناس لا يقدرون على تخليص أنفسهم من هذا “الإله” الضبابي. ملايين العمّال بلغوا تلك المرحلة. وباستطاعتهم المضيّ لأبعد من ذلك، لأنّهم يفتقرون للفهم العميق للأصل المادي للدين وعملية تطوّره الاجتماعي.
والقسم الأكثر تقدّما ضمن طبقة العمّال، هؤلاء الذين يتقدّمون على زملائهم، الذين نفضوا عن أنفسهم غبار الجهل وخلعوا عباءة الخرافة نهائياً. وأفضل سبيل للوصول إلى هذه الغاية يمرّ عبر المعرفة العلمية _الرأسماليون بإمكانهم سلوك تلك الدرب أيضاً_ وهو موجود ضمن نمط حياة طبقة العمال. نحن دائماً نقابل عمالاً بعيدين كل البعد عن الثقافة أو المعرفة، لكن فيما يخصّ الدين، فإنّهم لديهم قناعة بأنّه مجرّد ((ترّهات)).
وإذا سألتهم كيف توصّلوا إلى استنتاجاتهم اللادينية، تراهم لايستطيعون ذلك، لكنّهم متأكّدون أنّ الدين مجرّد تفاهة. إنّهم يمقتون أولئك الذين يعظون ويتظاهرون بممارسة المسيحية والالتزام بتعاليمها. قد يقبلون “الحسنة” عندما يكونون جائعين، لكنهم يحتقرون الشيء نفسه بالإضافة إلى تجّار الحسنات الذين يتطفّلون ويتدخّلون بشؤونهم المتواضعة.
قد يقوم الرأسمالي بفعل الصلاة، ويقول: ((أعطِنا خبزنا كفاف يومنا))، لكن كما قال بول لافارغ بذكاء: ((ولا تعطِنا عملاً)). إلا أنّ العامل الحديث لا يؤمن بالصلاة من أجل الخبز. إنّه يعلم حق العلم أنّه إذا لم يعمل فإنّه لن يأكل، بل سيتضوّر جوعاً، أو يلجأ للتسوّل أو السرقة. إنه لا يؤمن بضربات الحظ. لا ينتظر أقارب أثرياء له ليموتوا ويتركوا له ثروة طائلة. ارتفاع سوق الأسهم أو انخفاضه لا يعني له شيئاً. كما أنّه لا ينتظر استجابة آلهة غامضة لصلواته. لقد علّمته تجربته في الحياة أنّه لكي يأكل هو وعائلته، فعليه العمل من أجله وأجلهم واستحقاق خبزهم اليومي عن طريق جهوده العقلية والجسدية. إذن نلاحظ أنّ أسلوب العامل في الحصول على خبزه اليومي مختلف تماماً عن أسلوب الرأسمالي. قد يكون الأخير يحصد ملايين الدولارات وهو يلعب الغولف أو يبحر في البحر على متن يخته… (فإلهه صالح بالنسبة له). أمّا العامل على احتكاك متواصل مع العجلات الشحمية للآلة في موقع مختلف تماماً. إذ عليه التخلّي عن ساعات طويلة من طاقة حياته القصيرة كل يوم في سبيل الحصول على بضعة دولارات بائسة، لكنها ضرورية من أجل استمرار حياته وحياة عائلته.
العمّال الحاليون مختلفون عن عبيد الأرض في الماضي. الفلاح أو العبد الذي كان يعمل في الحقول، على احتكاك بالطبيعة، لكنّه جاهل تماماً بعوامل الطبيعة وطريقة سيرها، كان من المحتّم أن يكون مؤمناً بالخرافات. كان أمياً. وكان يؤمن بأشياء وأمور سيضحك منها العامل الحالي. فإذا نفقت بقرته أو حصانه، كان يقول: ((هذه إرادة الله ومشيئته)). وكان سيظنّ أنّ ذلك عقاب من الله على ذنوبه ومعاصيه. وكان يهرع إلى الصليب أو الماء المقدّس.
والعامل داخل المصنع الحديث لديه خبرة مماثلة. فعندما تتوقف آلته عن العمل. لكنّ العامل لا ينسب ذلك لأسباب ماورائية غير طبيعية. إنّه لا يؤمن بأنّ الله له علاقة بذلك. كما أنّه لا يهرع إلى الصليب أو الماء المقدّس، بل نحو علبة الزيت ومفتاح الربط. إنه مادي بالممارسة. فهو ينطلق عادةً من السبب إلى النتيجة. وعندما يدخل المصنع، فإنه يخلع عنه جميع مخاوفه والأمور التي تقلقه ويتركها عند الباب. فإذا لم يتصرّف كمادي، فإنّه سيخسر إصبعه أو يده، أو ربّما حياته. إنّه يراقب باستمرار الأسباب الطبيعية ويفكّر فيها مطوّلاً، إنّه في الواقع ليس لديه وقتاً لأي شيء آخر.
وعندما يخرج العامل من المصنع، فإنّه يظلّ في بيئة ميكانيكية آلية تتفاوت درجتها حسب البيئة. فهو يرى السيارات والدراجات تسير في كل مكان من حوله. قد يصل إلى منزله بالقطار السريع. إنّه يستخدم الهاتف، ويستمع إلى الراديو، إلى الصوت الخارج منهما من على بعد مئات وآلاف الأميال، محمولاً إليه عبر الأثير. يمكنه إطفاء الأشياء وإعادة تشغيلها بكبسة زر. كل ما يفعله أو يتعامل معه يوازي، أو حتى يتجاوز “المعجزات” التي وصفها الكتاب المقدس. إنّه يعلم ما يمكن فعله وما لايمكن فعله. إنّه يشكّ بل لا يؤمن على الإطلاق بقيامة الموتى. فهذا لا يحدث في هذه الأيام. بل إنّه يضعها بجانب قصص الجنّيات، العفاريت، جاك قاتل العمالقة، وسانتا كلوز.
في حين أنّ البيئة التي يعيش ضمنها العامل تزيل الخرافات من رأسه وتساعده على البحث عن سعادته في هذا العالم، وليس في أي عالم ما بعد القبر، إلا أنّها لا تزيل من عقله _وبشكل كلّي_ فكرة أنّ النظام الاجتماعي الحالي بأحسن ما يرام. بل إنّه عبارة عن تجربة أخرى من النوع المادي سيكون لها دور كبير في تنويره اجتماعياً. إنّها تجربته الاقتصادية.
يثبت العامل المفكّر اليوم أنّه ينتج هو وأقرانه ثروة أكثر من الجيل الماضي من العمّال. فالوحوش الميكانيكية العظيمة التي صنعها هو وأصحابه تطحن المواد الخام وتحوّلها إلى منتوجات صناعية بسرعة قياسية. ومع ذلك، وبعضّ النظر عن الأشياء الكثيرة والجميلة التي ينتجها بكميات هائلة، إلا أنّه يجد نفسه غالباً محروماً من أساسيات الحياة. إذ يتمّ طرده من عمله من حينٍ لآخر. وكثيراً ما يجد نفسه عاطلاً عن العمل، وفي كل مرة يفقد فيها احد أصدقاءه ورفاقه في العمل. إنّه يرى الملايين عاطلون عن العمل ولعدّة أشهر. إنه يعرف أنّ في العديد من بلدان العالم هناك ملايين العاطلين عن العمل وبشكل دائم، يتوقون للعمل لكنّهم لا يجدون فرصة. إنّه يلاحظ أيضاً أنّ الرأسماليين، ملاّك الصناعات، لا يملكون الخبرة والتجربة ذاتها، بل إنّها مختلفة عن تجربتهم وخبرتهم. بل إنّ الثروة تغمرهم هم وعائلاتهم. إنّه يراهم وهم ينفقون ثرواتهم على الرفاهية والأبهة أكثر ممّا يكسب هو في عام واحد. ومن هذه البيئة المادية التي يعيش فيها، من هذه التجربة الاقتصادية، يتعلّم العمّال أنّ النظام الاجتماعي الحالي، بقدر ما يتعلّق الأمر بهم، هو نتاج الترس والعجلة.

19) البروليتارية الثورية

عندما وقف المزارع في الماضي وجهاً لوجه مع ظروفه ومشاكله الاجتماعية، عندما شعر بثقل سياطه أسياده ولسعات الجوع ببطنه، كان يواسي نفسه بالاعتقاد أنّ أوقاته السعيدة بانتظاره في مكان ما وفي زمانٍ ما بعد موته. لكنّ العامل الحالي، الذي لا يؤمن بالحياة بعد الموت ولا بالسعادة ما وراء القبر، يوجّه انتباهه لإيجاد حلول لمشاكله هنا على الأرض. إنّه يرى حوله طبقة طفيلية عاطلة، تتمثّل في بعض الأحيان في الجيل الثالث أو الرابع من العائلات الرأسمالية الثرية، أي الذين لم يشاركوا بأيّ عملية إنتاج من أي نوع. كما أنّه يرى الطبقة المعدومة التي لاتملك شيئاً، الطبقة التي ينتمي إليها هو نفسه، تقوم بكل الأعمال المفيدة والمثمرة والمنتجة. إنّه يدرك أكثر فأكثر أنّ البروليتاريون، طبقة العمّال المأجورين، هي التي تدير عجلة الإنتاج، وأنّها هي التي تحمل على كاهلها العملية الإنتاجية من الأعلى إلى الأسفل.

20) التنظيم والتحرّر

منذ حوالي جيل مضى، كان بإمكان عدد معيّن من العمّال ترك عملهم والبدء بعمل خاص بهم. لكنّ تلك الأيام قد ولّت مرةً وإلى الأبد وقد استفاق العمّال لهذه الحقيقية. لقد تضخّمت الصناعات اليوم وباتت تحتاج لرأس مال ضخم لتشغيلها. فقد ولّت أيام ورشات العمل الصغيرة، والمحال الصناعية والحرفية. فحقل العمل الصغير، والتجارة المفردة، والحرف الصغيرة، جميعها قد ابتلعها المخزن الكبير وتقدّم نظام المخزن الضخم وفروعه المتعدّدة.
من هذه البيئة المادية انبثق الفكر بالنسبة للفئة المتقدّمة من الطبقة العاملة، فليس هناك مهرب من عبودية الأجر بالنسبة لهم ولأحفادهم من بعدهم. لقد بدأوا يدركون أنّه لا يوجد حل نهائي لمشاكلهم، وأنّهم عاجزون كأفراد بمفردهم، وليس أمامهم سوى عبودية الأجر كسبيل للحياة، وأنّهم يعملون ليل نهار لتتراكم الملايين عند طبقات غير نافعة، طبقات ليس لها أي دور اجتماعي سوى أن تجمع الفوائد والأرباح، وتحصد أتعاب العمّال.
وعندما يدرك العامل أنّ مشكلته لا يمكن حلّها بالعمل الفردي وحده، فإنّه يتوجّه للعمل الجماعي، أو التنظيم. إنّه يرى أنّ عجلات التقدّم الاجتماعي لا يمكن إدارتها إلى الوراء، وأنّ الصناعات الكبرى لا يمكن تقسيمها إلى صناعات أصغر، ورشات عمل صغيرة. فالتملّك الجماعي لوسائل الإنتاج هو الحل الوحيد لمشكلته: فالمطاحن، المناجم، والمعامل يجب أن تسيطر عليها الجماعة، المجتمع.
الإنتاج الجماعي، أو إخراج كميات هائلة من البضائع والسلع المعيارية على يد جيوش عظيمة من العمّال المنتجين، هو الأساس المادي والاقتصادي للفكر الشيوعي.
التملّك الجماعي من قبل المجتمع ككل هو السبيل الوحيد والممكن للتخلّص من نير العبودية الحالية. لقد أغلق المخرج الواسع للهروب الفردي. ولا يوجد سبيل للتخلّص من نير العبودية واحتكار الطبقة الطفيلية سوى العمل الجماعي للطبقة العاملة، عندها _وعندها فقط_ ستتخلّص طبقة العمّال من الفقر والجوع مرة وإلى الأبد.
كل عامل ذكي يعرف تمام المعرفة أنّه إذا كان هناك فقر فإنّه ليس ناتجٌ عن النقص والندرة، بل على العكس، من فائض الإنتاج. ليس هناك أي خلل في عملية الإنتاج، بل تسير على أحسن ما يرام. بل الخلل يتمثّل في اختلاس الإنتاج وسرقته. ولا يمكن سوى للعمّال ذوي الفهم الصحيح والواضح لعالمهم الاقتصادي والمادي الذي يعيشون فيه أن يحلّوا هذه المشكلة القديمة قدم الزمن نفسه. وقد باتت أدوات الإنتاج ووسائله الآن في متناول أيدي العمّال. وأوّل خطوة تتمثّل في السيطرة على السلطة السياسية وتأسيس حكومة بروليتارية. أمّا الخطوة الثانية فتتمثّل في تأميم كافة الصناعات.
هناك الكثير من العقبات التي تواجه الطبقة العاملة أثناء كفاحها للوصول إلى هدفها، ليس أقلّها حالتهم العقلية. يقول كارل ماركس ((إنّ عبء تراث جميع الأجيال السابقة مثل جبال الألب على عقول الأجيال الحية)). وهذا هو عين الحقيقة للأسف بالنسبة للطبقة العاملة. فما زال العمّال مثقلون بالكثير من التقاليد والتراث. مازالوا يحملون الكثير من المعتقدات الدينية التي تنتمي إلى الماضي، معتقدات وأفكار خرجت من قلب الظروف والأحوال الاقتصادية والمادية التي عفا عليها الزمن. وهذا مردّه طبعاً إلى التلقين الذي تلقّوه على يد طبقة الأسياد، التي يسمّى التعليم.
لكنّ البيئة المادية والظروف الاقتصادية المتغيّرة، التي أخرجت أشكال دينية جديدة للطبقات السابقة، لن تأتي بأي نموذج ديني جديد للطبقة الحالية.
فالوعد بسعادة أبدية بعد الموت كتعويض عن الفقر والمعاناة في الوقت الحالي يقابلها البروليتاريون الجدد بحركة سياسية جديدة، وليس بدين جديد، حركة سياسية بوسع العالم بمنظورها، وبهدف حالي، الآن وهنا، وليس في حياة أخرى هناك.
هذه الحركة اللادينية، بأسسها الاقتصادية والمادية، وأهدافها الاقتصادية والسياسية، هي الأمل الوحيد والأخير لعمّال العالم. وشعارها الأساسي والأول هو: ((يا عمّال العالم اتّحدوا… فلن تخسروا شيئاً سوى أغلالكم، وستفوزون بالعالم كلّه))

انتهى

نهوض الأصل

Continue reading نهوض الأصل

الماركسية تضل الطريق

Continue reading الماركسية تضل الطريق

تجليّات الأمل – جماعة الواحديين: المبادئ

Continue reading تجليّات الأمل – جماعة الواحديين: المبادئ

النورانيــ دعوة حسن ميّ النوراني ــة

Continue reading النورانيــ دعوة حسن ميّ النوراني ــة

مواقع ومجلات ومراكز دراسات فلسفية

 دليل مواقع الفلسفة على الشبكة

 

  

  1. 1.      FISP ، الاتحاد العالمي للجمعيات الفلسفية.
  2. 2.       Athenaeum Library of Philosophy (المكتبة الأثينية للفلسفة).
  3. 3.       Ephilosopher  ، (الفيلسوف الإلكتروني).
  4. 4.        ، (وصلات إيبستيمة) EpistemeLinks.
  5. 5.      Noesis: Philosophical Research On-line ، (نويزيز للبحث الفلسفي أونلاين).
  6. 6.      The Intute ، (انتيويت – الفنون والإنسانيات للمصادر البحثية والتعليمية).
  7. 7.       Philosophy Around the Web ، (الفلسفة حول الشبكة).
  8. 8.      Eastern and Western Philosophy ، (فلسفة الشرق والغرب).
  9. 9.      PHILWEB ، (فلسفة الشبكة).

10. The Radical Academy ، (الأكاديمية الراديكالية).

11. The Window – Philosophy on the Internet ، (الشباك، فلسفة على الإنترنت).

12. Experimental Philosophy ، (الفلسفة التجريبية).

13. Philosophy at UNESCO ، (الفلسفة في اليونسكو).

14. Dictionary of Philosophy ، (قاموس الفلسفة).

15. Ph Online ، (فلسفة أونلاين).

16. Secular Philosophy ، (فلسفة علمانية).

17. The internet encyclopedia of philosophy ، موسوعة الإنترنت الفلسفية.

18. Philosophy on the EServer ، الفلسفة على الخادم الإلكتروني.

19. Erratic Impact ، قاعدة البحث الفلسفي.

20. The Philosophy Documentation Center ، مركز التوثيق الفلسفي.

21. الفلسفة المعاصرة، الفلسفة النقدية وفكر ما بعد الحداثة ، ( Martin Ryder Colorado, Denver).

22. After Postmodernism ، بعد مابعد الحداثة.

23. HUMANUM ، موقع بحثي في الفلسفة.

24. International Society For Philosophers ، الجمعية الدولية للفلاسفة.

25. Philosophy Professor، بروفيسور الفلسفة.

26. Radical Philosophy Association،  جمعية الفلسفة الجذرية.

27. Philosophy Pages، صفحات فلسفية.

28. Internet Public Library ، مكتبة الإنترنت العامة.

29. Librarians’ Internet Index ، فهرس الانترنت لأمناء المكتبة.

30. AllAboutPhilosophy ، كل شيء عن الفلسفة.

31. أرشيف الماركسيين على الإنترنت.

32. Hinduism ، الفلسفة الهندية.

33. Center For Critical Realism ، مركز الواقعية النقدية.

34. Philpapers، بحوث في الفلسفة على الشبكة.

 مواقع اخرى..

 

  • الجمعية الفلسفية المغربية
  • الجمعية الفلسفية المصرية
  • الجمعية الفلسفية اليمنية
  • منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين
  • منبر الدكتور محمد عابد الجابري
  • المفكر المغربي محمد سبيلا
  • فلاسفة العرب
  • أكاديمية الفكر الجماهيري
  • موقع المفكر العربي الليبي مهدي امبريش
  • صفحة البروفيسور “أندريس مارتينيث لوركا”
  • تطاون العامرة: منبر التفكير في المكان المشترك
  • مقدمات الفكر المدائني
  • الفدان: جريدة الأخبار الثقافية التطاونية
  • ملتقى ابن خلدون
  • موقع الفلسفة (فضاء أبي يعقوب المرزوقي)
  • مقالات محمد بلال أشمل في مجلة “الكاطوبليباس”
  • مقالات محمد بلال أشمل في متن جامعة لاريوخا
  • الجمعية الكونية السورية
  • Asociacion de Hispanismo Filosofico
  • Proyecto Filosofía en español
  • Filosofía en el UNESCO
  • La Falsafa en el Feddān
  • ORTEGALOGIA
  • Ortega en Tetuán
  • ¿Cómo hacer filosofía entre dos extremos?
  •  

    دليل المجلات الفلسفية

     

     

    أ‌.      كتب ومجلات مجانية

    1. 1.          مجلة نفس Psyche.
    2. 2.         موسوعة ستانفورد للفلسفةStanford Encyclopedia of Philosophy.
    3. 3.         مشروع جوتنبرج Project Gutenberg.
    4. 4.         أرشيف الطبعة الإلكترونية arXiv e-Prints.
    5. 5.         أرشيف فلسفة العلم philsci-archive.
    6. 6.          كوجبرينتس CogPrints.
    7. 7.         أوراق بحثية فلسفية على الشبكة، Online papers in philosophy.
    8. 8.         مقالات في الفلسفة Essays in Philosophy.
    9. 9.         Institut Jean-Nicod ، (معهد جان نيكود جامعة باريس).
    10. 10.   Philosophy Now ، (الفلسفة الآن).
    11. 11.   TPM ، (مجلة الفيلسوف).
    12. 12.   Notre Dame Philosophical Reviews ، (مراجعات نوتردام الفلسفية).
    13. 13.   Philosopher’s Imprint ، (بصمات الفلاسفة).
    14. 14.   Érudit Philosophiques ، (إيروديت فلسفية).
    15. 15.   Methods ، مجلة الفلسفة القديمة، جامعة كيوتو.
    16. 16.   Radical Philosophy ، فلسفة جذرية.
    17. 17.   Postmodern Culture ، ثقافة ما بعد الحداثة.
    18. 18.   Essays on the Philosophy of Technology ، مقالات في فلسفة التكنولوجيا.
    19. 19.   أفكار، مجلة فكرية إلكترونية.
    20. 20.   مدارات فلسفية.
    21. 21.   مراجعات فلوريدا الفلسفية.
    22. 22.   المجلة العالمية للفلسفة التطبيقية.
    23. 23.   مجلة الدراسات العربية والإسلامية.
    24. 24.   مجلة الفلسفة والعلم والقانون.
    25. 25.   Prolegomena – مجلة في الفلسفة.
    26. 26.   الكلمة – تصدر عن منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث.
    27. 27.   مجلة المستقبل العربي.
    28. 28.   فكر ونقد – مجلة ثقافية فكرية.
    29. 29.   مجلة مدارك.
    30. 30.   Philosophical Frontiers ، جبهات فلسفية – مجلة الفكر الصاعد.
    31. 31.               Free Philosophy Essays ، مقالات فلسفية مجانية.

    ب‌.  مجلات فلسفية غير مجانية

    1-  مجلات عربية

    1. 1.     مجلة الجمعية الفلسفية المصرية.
    2. 2.      مجلة الجمعية الفلسفية العربية.
    3. 3.     الفلسفة والعصر.
    4. 4.     عالم الفكر.
    5. 5.     حوار العرب.
    6. 6.     المواقف، – مجلة الدراسات والبحوث في المجتمع والتاريخ.
    7. 7.     أيس، فضاء العقل والحرية.
    8. 8.     مجلة حراء، مجلة علمية ثقافية فصلية.
    9. 9.     تحديات ثقافية، مجلة فكرية عامة.

    10.دراسات فلسفية.

    11.المجلة التونسية للدراسات الفلسفية.

    12.المعرفة – منشورات وزارة الثقافة السورية.

    1. 13.     المنار الجديد – مقالات وأبحاث في فلسفة الدين وشئون الاجتماع والعمران.
    2. 14.     الفكر العربي المعاصر.
    3. 15.     المقدمة.

     

    2-  مجلات باللغة الإنجليزية.

    هذه القائمة تضم بعض أهم الدوريات الفلسفية الصادرة بالإنجليزية

    1. 1.      Philosophy of Science فلسفة العلم.
    2. 2.     مجلة الفلسفة،  The Journal of Philosophy
    3. 3.      عقل، Mind.
    4. 4.        مجلة “دراسات الفلسفة الإسلامية”Journal of Islamic Philosophy.
    5. 5.       فلسفة، Philosophy.
    6. 6.     Philosophical Studies ، دراسات فلسفية.
    7. 7.     Think ، فكر.
    8. 8.      مراجعات فلسفية، Philosophical Review.
    9. 9.      ميتافيزيقا، المجلة الدولية للأنطولوجيا والميتافيزيقاMetaphysica.

    10. FPR ، مراجعات فلوريدا الفلسفية.

    11. IJPS ، المجلة الدولية للدراسات الفلسفية.

    12. Critical Inquiry ، تساؤل نقدي.

    13. Islam & Science ، الإسلام والعلم – مجلة المنظور الإسلامي للعلم.

    14. Journal of Philosophical Research ، مجلة الدراسات الفلسفية.

    15. The Philosopher ، الفيلسوف.

    16. The Philosophical Quarterly ،  الفلسفية ربع السنوية.

     

     

    مراكزثقافية وفلسفية للدراسات العربية والإسلامية

    يهدف هذا الجزء إلى التعريف بأهم مراكز الدراسات التي تمتلك مشروعا علميا للبحث الفكري والفلسفي العربي بمستوياته المختلفة، سواء في الدول العربية أو غير العربية. والقائمة التالية هي قائمة مبدئية، ولسوف يتم استكمالها مع مرور الوقت ووصول المعلومات اللازمة عن هذه المراكز من هذه الجهات ذاتها. وبالضغط على كل اسم يمكن الوصول إلى المعلومات الخاصة بأنشطة كل مركز.

    ولأن المراكز العلمية تختلف بحسب أهدافها ودرجة معالجتها النظرية لموضوعاتها، لذا سوف تتضمن القائمة المراكز التي تهتم بالفكر الفلسفي النظري وبالفكر الإسلامي وبالفكر السياسي، والفكر الإجتماعي العربي. والمعيار هو أن يتضمن جانب من أنشطة المركز أبحاثا فلسفية نظرية في المجال الذي يهتم به المركز نفسه.

     

    ‌أ.      مراكز عربية

     

    1. 1.      مركز دراسات الوحدة العربية.
    2. 2.      مؤسسة ابن رشد للفكر الحر.
    3. 3.      مؤسسة الفكر العربي.
    4. 4.      المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.
    5. 5.      المجلس الأعلى للثقافة – مصر.
    6. 6.      مركز دراسات الشرق الأوسط – الأردن.
    7. 7.      بيت الحكمة، المجمع التونسي للعلوم والفنون والآداب.
    8. 8.      جائزة الشيخ زايد للكتاب.
    9. 9.      مركز الشرق العربي – للدراسات الحضارية والاستراتيجية.

    10. مركز الدراسات الإسلامية – دمشق.

    11. مؤسسة المنصور الثقافية.

    12. المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث.

    13. مركز آفاق للدرسات والبحوث.

    14. الحضارية – معهد الأبحاث والتنمية الحضارية.

    15. المعهد الملكي للدراسات الدينية.

    16. مركز دراسات فلسفة الدين.

    17. مركز البحوث المعاصرة.

    18. وقفية الشيخ على عبد الله آل ثاني للمعلومات والدراسات.

    19. مركز الجزيرة للدراسات.

    20. مؤسسة طابة.

    21. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

    22. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

    23. بوابة العلوم الاجتماعية العربية.

    24. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو.

     

     

    ب. مراكز غير عربية

    1. 1.      معهد آل مكتوم للدراسات العربية والإسلامية.
    2. 2.      أكسفورد للدراسات الإسلامية.
    3. 3.      دار الحكمة – مركز الدراسات الإسلامية والإنسانية.

     

    نصوص قديمة صارت افكارها هى معتقدات وتصورات الاديان الشرقية لفكرة الالوهية

    كتـب سواح    

    هذه النصوص القديمة : مصرية وسومرية وبابلية وآشورية سبقت الفكر الدينى فى تصوير الذات الالهية بصفات ومفاهيم هى نفسها التى وجدناها فى الاديان الشرقية الابراهيميةفجاءت الاديان ونقلتنفس التصوير والمفاهيم القديمةفكانت هذه النصوص هى المنبع التى استقت منها الاديان افكارها حرفيا او اجمالياترتيلة مصرية قديمةواحد، ولا ثاني له.واحد خالق كل شيءقائم منذ البدء، عندما لم يكن حوله شيوالموجودات خلقها بعدما أظهر نفسه إلى الوجود.أبو البدايات، أزلي أبدي، دائم قائمخفي لا يعرف له شكل، وليس له من شبيهسرّ لا تدركه المخلوقات، خفي على الناس والآلهةسرّ اسمه، ولا يدري الإنسان كيف يعرفهسرّ خفي اسمه. وهو الكثير الأسماءهو الحقيقة، يحيا في الحقيقة، إنه ملك الحقيقةهو الحياة الأبدية به يحيا الإنسان، ينفخ في أنفه نسمة الحياةهو الأب والأم، أبو الآباء وأم الأمهاتيلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحدخالق ولم يخلقه أحد، صنع نفسه بنفسههو الوجود بذاته، لا يزيد ولا ينقصخالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكونعندما يتصور في قلبه شيئاً يظهر إلى الوجودوما ينجم عن كلمته يبقى أبد الدهورأبو الآلهة، رحيم بعباده، يسمع دعوة الداعييجزي العباد الشكورين ويبسط رعايته عليهم.ترجع هذه الترتيلة لفجر الاسرات , حققها وترجمها للانجليزية عالم المصريات الشهير واليس بدج فى كتابه : اوزيريس وعقيدة البعث المصريةWallis Budge, Osiris and the Egyptian Resurrection, Dover, New York, 1973, vol.1, p. 357.و ترجمة الترتيلة للعربية للاستاذ فراس السواح فى دراسته بعنوان :معتقدات الشرق القديم , وثنية أم توحيد؟ومتاحة على هذا الرابط :http://maaber.50megs.comترتيلة مصرية الى الاله آمون رعهو الروح القدس الموجود منذ البداياتهو الإله المعظَّم الذي يحيا في الحقيقة، وبه يحيا الآلهةالواحد الذي صنع كل ما ظهر في البدايات الأولىميلاده سرّ، وأشكاله لا حصر لها، وأبعاده لا تقاسكان، عندما لم يكن هنالك شيءوفي هيئة القرص شعّ وأضاء لكل الناسيقطع السماء بلا تعب، وعزمه في الغد كعزمه اليومعندما يشيخ في أواخر النهار يجدِّد شبابه في الصباحبعد أن خلق نفسه، صنع السماء والأرض بإرادتهلقد كان المياه الأولى، وهو قرص القمرمن عينيه المباركتين صدر الرجال والنساءومن فمه صدرت الآلهةكثيرة عيونه [= البصير] وكثيرة آذانه [= السميع]إنه رب الحياةالملك الذي يضع الملوك على عروشهمالخفي المجهول، حاكم العالم، أخفى من كل الآلهةوالقرص وكيله وممثِّلهWallis Budge, Osiris and the Egyptian Resurrection, Dover, New York, 1973, vol.1, p. 356 .وترجمة السواحترتيلة للاله آمون ترجع الى سنة 1300 ق مهو الذي ظهر إلى الوجود في الأزمان البدئيةآمون، الذي جاء إلى الوجود في الأزمان البدئيةطبيعته خفية، وغامضة لا يُسبر غورهالم يأتِ إلى الوجود إله قبله، ولم يكن معه أحدلم يكن معه، في ذلك الوقت، إله ليخبرنا عن شكلهبلا أم ينتسب إليها، بلا أب يقول: هذا أناصنع البيضة التي خرج منها بنفسهروح غامضة في ميلادها، صنع جماله بنفسه، وصنع الآلهةمكتنَف بالأسرار، متألِّق في الظهور، وأشكاله لا حصر لهايتفاخر الآلهة بانتمائهم إليه، ويَظهرون من خلال جمالههو آتوم العظيم المقيم في هيليوبوليس، ورع متواحد بجسمهيدعى تانتين، ويدعى آمون الذي ولد من نون [= المياه الأولى]هو أجدود الذي أنجب الآلهة البدئية التي ولدت رعبداءة الوجودروحه في السماء، وهو في العالم الأسفل، ويحكم المشرقروحه في السماء، وجسمه في الغرب، وتمثاله في هيرموتيس يبشِّر بظهورهواحد هو آمون، وخافٍ عليهم جميعاًمحجوب عن الآلهة ولا يعرفون لونهإنه بعيد عن السماء، ولا يُرى في العالم الأسفللا يعرف أحد من الآلهة شكله الحقيقيصورته لا ترسمها الكتابة، وما له من شهودمن تلفَّظ باسمه، سهواً أم عمداً، يموت من ساعتهولا يعرف إله كيف يتوجَّه إليه باسمهجَمْعُ الآلهة ثلاثة: آمون ورع وبتاحولا ثاني لهمهو الخفيّ باسمه آمونوهو الظاهر باسمه رعوهو المتجسِّد باسمه بتاح.من كتاب : نصوص الشرق الادنى القديم , لبرتشارد , حققها وترجمها للانجليزية عالم الحضارات القديمة ويلسون , وترجمة فراس السواحJ. A. Wilson, “Egyptian Hymns and Prayers”, in J. Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, pp. 238-239.ترتيلة سومرية للاله انليل1. إنليل ذو الكلمة المقدسة والأوامر النافذة2. يقدر المصائر للمستقبل البعيد، وأحكامه لا مبدِّل لها3. أعينه الشاخصة تمسح الأمصار4. وأشعَّته تفحص قلب البلاد5. عندما يعتلي الأب إنليل منصَّته السامية6. عندما يقوم نونامنير بواجبات السيادة على أكمل وجه7. ينحني أمامه آلهة الأرض طوعاً8. يتَّضع أمامه الأنوناكي، آلهة الأرض9. ويقفون في استعداد وترقب لتنفيذ الأوامر10. الربّ المبجَّل في السماء والأرض، العليم الذي يفهم الأحكام92. إنليل راعي الجموع المؤلَّفة93. راعي جميع الكائنات الحيَّة وحاكمها95. عندما يعتلي منصته فوق ضباب الجبال96. يزرع السماء غدواً ورواحاً، كقوس قزح97. يجعلها تميد كغيمة سابحة98. وحده أمير السماء، وحده عظيم الأرض99. ووحده ربُّ الأنوناكي المبجَّل100. عندما، بكل روع، يقرر المصائر101. لا يجرؤ أحد من الآلهة على رفع البصر إليه109. لولا إنليل، الجبل العظيم، لم تُبْنَ المدن ولا القرى117. ولم يَفِضْ البحر بكنوزه الوفيرة118. ولم يضع السمك بيوضه بين أجمات القصب119. ولم تصنع طيور الجو أعشاشها في طول البلاد وعرضها120. لولاه لم تفتح الغيوم الماطرة أفواهها في السماء121. ولم تمتلئ الحقول والمروج بخيرات الحبوب122. ولم تطلع الحشائش والأعشاب، بهيَّة، في البوادي123. ولم تحمل الأشجار الضخمة في البساتين ثمارها124. لولا إنليل، الجبل العظيم125. لم يكن للإلهة ننتو أن تجلب الموت، لم يكن لها أن تقتل126. ولم يكن لبقرة أن تضع عجلها في الإسطبل127. ولم يكن لنعجة أن تضع حملها في الحظيرة130. ولم يكن لذوات الأربع نسل ولم يقفز ذكرها على أنثى131. إن أعمالك البارعة تثير الروع132. ومراميها عصيَّة كخيط متشابك لا يمكن فكُّه139. فمن يقدر على فهم أفعالك140. أنت قاضي الكون وصاحب الأمر فيه141. عندما تنطق، يلوذ الأنوناكي بالصمت143. عندما تصعد كلمتك نحو السماء تغدو عموداً وعندما تهبط نحو الأرض تصير قاعدة وأساساً150. كلمتك زرع، كلمتك قمح وحبوب151. كلمتك ماء الفيض الذي به تحيا البلاد170. أي إنليل، أيها الجبل العظيم، لك التسبيح والحمد.حققها وترجمها للانجليزية عالم السومريات صمويل كريمر , ونشرها بريتشارد فى كتابه الموسوعى : نصوص الشرق الادنى القديمN. Kramer, “A Sumerian Hymn”, in James Pritchard, ed., Ancient Near Eastern Texts, pp. 573-576.والترجمة العربية للاستاذ فراس السواحترتيلة كتبت بالسومرية والاكادية على لوح واحد للاله نانا – وهو الاله سين اله القمرأيها الربّ، بطل الآلهة، من مثلك معظَّم في السماء والأرضأيها الربّ نانا، الربّ أنشار، بطل الآلهةأيها الأب نانا، الربّ الكبير آنو، بطل الآلهةأيها الربّ نانا، الربّ سن، بطل الآلهةأيها الأب نانا، ربّ مدينة آور، بطل الآلهةأيها الأب نانا، رب التاج الساطع، بطل الآلهةأيها الأب نانا، صاحب الملك الكامل، بطل الآلهةأنت المولود الذي أنجب نفسه بنفسه، تاماً كامل الهيئةأنت الرحم الذي أنجب كل شيءالذي يقيم بين البشر في مسكنه المقدسالوالد الرحيم في قضائه، من يمسك بيديه حياة البلادأيها الربّ، يا من تملأ قداسته البحر الواسع روعاً، وأعماق السماءأيها الأب الذي أنجب البشر والآلهةالذي أوجد المقامات والهياكل، وأسس للقرابين والتقدماتأنت ربّ الملك، واهب السلطانأنت مقرِّر المصائر إلى نهاية الأزمانأيها الأمير القدير الذي لا يستطيع إلهٌ سبر قلبهشعاعك ينطلق من قاعدة السماء إلى ذروة السمتوتفتح أبواب السماء لتهب النور لكل البشرأيها الأب الوالد، الذي ينظر بعين العطف إلى كل الأحياءأيها الربّ الذي يقدِّر مصائر السماء والأرضصاحب الكلمة التي لا يقدر أحد على تغييرهاأنت المتحكِّم بالماء وبالنار، وليس لك بين الآلهة شبيهمن المبجَّل في السماء؟ أنت، أنت وحدك المبجَّلمن المبجَّل في الأرض؟ أنت، أنت وحدك المبجَّلعندما تُسمَع في السماء كلماتك، يخر الإيجيجي صاغرينوعندما تُسمَع في الأرض كلماتك، يُقبِّل الأنوناكي الأرض أمامكعندما تنطلق كلماتك في السماء كالريح، تفيض خيرات الطعام والشرابوعندما تستقر كلماتك في الأرض، يطلع كل زرع ونباتكلماتك تملأ الحظائر والإصطبلات، وتُغني أحوال البشركلماتك العالية في السماء والخبيئة في الأرض، خافية عن العيونكلماتك لا يقدر أحد على فهمها وما لها من مثيلأيها الربّ، في السماء سلطانك وفي الأرض بسالتكليس لك بين الآلهة من ندّ ولا من مزاحممن كتاب : نصوص الشرق الادنى القديم , لبرتشارد , وترجمة فراس السواحP.J. Stephens, “Sumerio-Akkadian Hymns and Prayers”, in James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, p. 385-386ترتيلة آشورية للاله شمشأنت نور الآلهة العظمى، نور الأرض الذي يضيء العالمتعطي الوحي والإلهام، وفي كل يوم تصنع قرارات السماء والأرضشروقك نار باهرة تكسف كل النجوموأنت المتألِّق الذي لا يضاهيه أحد من الآلهةآنو وإنليل لا يصدِران قراراً دون موافقتكوإيا صاحب أقدار الأعماق ينظر وجهك ويعتمد عليكأنظار الآلهة جميعاً شاخصة في انتظار شروقكمن كتاب : نصوص الشرق الادنى القديم , لبرتشارد , وترجمة فراس السواحP.J. Stephens, “Sumerio-Akkadian Hymns and Prayers”, in James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, p. 387ترتيلة بابلية للالهة انانا والتى صار اسمها عشتار عند البابليينأعطاني أبي السماء، وأعطاني الأرضإني ملكة السماء، وملكة السماء أناوما من إله قادر على منازعتيأعطاني إنليل السماء وأعطاني الأرضإني ملكة السماء، وملكة السماء أناأعطاني إنليل الربّوبيةأعطاني الملكأعطاني القتال والمعركةأعطاني الطوفان وأعطاني العاصفةأعطاني السماء تاجاًوربط الأرض إلى قدميَّ نعلاًخلع علي طيلسان النواميس الإلهيةوثبت في يدي الصولجان المقدسالآلهة […] إني أنا الملكةحولي يتراكض الآلهة، وأنا البقرة البرِّية واهبة الحياةأنا البقرة البرِّية التي تتصدَّر الجميع.عندما أدخل الإيكور، بيت إنليللا يجرؤ الحراس على منعيولا يقول لي وزيرُه انتظريلي السماء ولي الأرض، أنا سيدة المعاركفي مدينة أوروك، معبد الإيانا، ليفي مدينة زابالوم، معبد الجيوجونا، ليفي مدينة أور، معبد إشدام، ليفي مدينة آداب، معبد العيشارا، ليفي مدينة كيش، معبد خورساخ كالاما، ليفي مدينة دير، معبد أماش لوجا، ليفي مدينة أشاك، معبد آن زاكار، ليفي مدينة أوما، معبد إيجال، ليفي مدينة أكاد، معبد أدلماش ليفهل هنالك من إله قادر على منازعتيمن كتاب : نصوص الشرق الادنى القديم , لبرتشارد , وترجمة فراس السواحP.J. Stephens, “Sumerio-Akkadian Hymns and Prayers”, in James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, p. 384.

    القبطان يكتب: مقالات في الإلحاد (1)

    سأبدأ سلسلة من المقالات للتعريف بالالحاد كما أفهمه وأعرفه.
    نظرا لعدم وجود دين رسمياسمه الالحاد،
    فلا يوجد كتاب مقدسعن الموضوع.
    ولا توجد نصوص يتفق عليها جميع الملحدين.

    كذلك لا توجد رابطة أو أخصائيون معترف بهم في هذا الموضوع.
    فهذا جزء من ميزات الالحاد، الا وهي حرية الفكر،
    وحرية تشكيل القناعة الشخصية على مبدأ من كل بستان زهرة“.
    أي خذوا الحكمة حيثما وجدتموها،
    بدون اعتبار للآراء المسبقة.
    ولذلك يبقى الموضوع هو رأيي الشخصي.

    قد لا يتفق معي في آرائي بعض الملحدين أو المؤمنين،
    وهذا طبيعي لأني لا أنطق باسم أحد هنا، بل أتكلم باسمي الشخصي فحسب.

    نبدأ بالتعريف الأساسي:

    الالحاد هو عدم الاعتقاد بوجود إله (أو آلهة)

     

    عدم الاعتقاد لا يعني بالضرورة إنكاروجود الآلهة.
    ولكنه غالبا ما يعني أن الملحد لا يجد دليلا مقنعا على وجود الآلهة،
    أي أنه يعتبر الآلهة فرضية غير ضرورية، بل ان احتمال صحتها غير كبير.
    وآخرون يعتبرون أنه من غير الممكن (على الأقل حاليا) البرهان على وجود الآلهة أو عدمه،
    فيعتبرون نفسهم لا أدريين“.
    وهناك تفريعات فكرية أخرى كثيرة في هذا المجال.

    عدم الاعتقاد

    هذا التعريف يعني أن هذه الفكرة هي نفيللاعتقاد، وليست اعتقادا قائما بذاته.
    والسبب هو أن الشيء الآخر،
    وهو الاعتقاد بوجود الههو توجه فكري منتشر وطاغي في عالمنا العربي.
    وهذا يقتضي كل من لا يشارك في هذا التيار أن يعرّف موقعه منه.

    حتى ولو كان المبدأ القضائي يقول البينة على من ادعى،
    بحيث يحمل المؤمن بشيء عبء البرهنة على ادعائه.
    ولكن السباحة عكس التيار تتطلب بذل الجهد،
    وهي جزء من المسئولية الفكرية التي أتحملها بشكل شخصي،
    وهي دافعي لكتابة هذه المقالات..

    الآلهــة

    فكرة الآلهة نعرفها من كثير من الأديان.
    للآلهة وظائفوأدوار مختلفة حسب الأديان.

    بعض هذه الأديان تفترض أكثر من إله،
    مثل الديانات البابلية والاغريقية أو أوثان عرب الجاهلية، أوالهندوسية حاليا.
    بعض هذه الآلهة يكون مذكرا والبعض الآخر مؤنثا،
    وتربطها أحيانا علاقات أسرية معقدة.

    وتتوزع هذه الآلهة الوظائففي مجال الظواهر الطبيعية والفكر الانساني،
    فنجد بينها إله أو إلهة الخصب، إله الموت، الإله الخالق، إلهة الحكمة، إلهة الشر..الخ.

    وهناك فكرة الاله الواحدالتي نراها في اليهودية والمسيحية والاسلام،
    وتفريعاتها المختلفة.
    حيث أن هذا الاله يوحد في نفسه كثيرا من الوظائفالتي تتوزع على الآلهة في الأديان غير التوحيدية.

    وهناك أديان ومعتقدات بدون آلهة، مثل الطاوية والبوذية والكنفوشية.
    وهناك معتقدات أخرى،
    مثل وحدة الوجود،
    تستخدم فكرة الاله بطريقة مختلفة جدا عن كل ما سبق.

    على كل فمفهوم جوهرالاله يختلف بشكل جذري بين دين وآخر،
    فالآلهة قد لا تعيش للأزل،
    بل هي تولد، وقد تموت، أحيانا قد يرتقي إنسان ليصبح إلها.

    وتوحيد الوظائف في شخص الاله الواحد في الأديان الابراهيميةليس دقيقا جدا،
    فنرى أيضا في الاسلام توزعا للأدوار في عالم الغيب،
    ولكن الفاعلين لا يسمون آلهة.
    فنرى الشيطان المسئول عن الشر والأنبياء الذين يقومون بالأعمال الخارقة (المعجزات)، ناهيك عن خوارق الجن والأولياء.

    ولذلك نرى الناس تعاملهم بقدسية مشابهة لمعاملتهم الآلهة في الأديان الأخرى.
    فنراهم يضرعون لهم بالدعاء ويرجون شفاعتهم ويخافون غضبهم.

    كثيرا ما نرى في الأديان متعددة الآلهة كبير الآلهة“.
    الذي تطيعه الآلهة الأخرى،
    وإن كانت أحيانا أعقد المهام، مثل خلق الكون، تسند لغيره.

    صفات الآلهـــــــة

    سأركز الآن على الإله الواحد الذي يشكل جوهر التصور الاسلامي.
    ولكن معظم هذا الكلام ينطبق على كبير الآلهةفي الأديان الأخرى.

    هناك ظاهرة لافتة للنظر هي شخصنةالاله.
    فالاله يشبه الانسان في كل الامور ولكنه يتجاوزه بمقدرته.

    فنرى الاله يهتم بما يهم البشر، يقضي وقته مشغولا بأمورهم وتفاصيل حياتهم،
    يحقق لهم طلباتهم (الدعاء)، أو يعاقبهم وينتقم منهم (يغضب عليهم).
    وقد يقيم محكمة خاصة في نهاية الزمان (يوم القيامة)،
    ليكافئ المطيعين ويعاقب المخالفين.

    هذه العلاقة بين السلوك الانساني وقوانين الطبيعة والعالم الغيبي،
    نراها موجودة أيضا في المعتقدات التي لا تحتاج لاله.
    وربما تكون جوهر حاجة الانسان الى الدين.
    فنرى مبدأ الكارمافي البوذية،
    أيضا يكافئ متبعيه ويعاقب مخالفيه.

    وبعض المعتقدات الفلسفية تفترض وجود الاله بدون شخصنته.
    حيث تفترضه خالقا للكون، ولكن بدون أن يتدخل في تفاصيل حياة البشر،
    مثل مكافأتهم أو عقابهم أو انجاز المعجزات لادهاشهم.
    مثل ذلك إله اللاهوتيين/الديستالذي بشكل ما قرن الزنبرك،
    الذي يشكل مجموع قوانين الطبيعة في بدء الخليقة،
    ثم ترك العالم يمشي لوحده.
    دون أن يتدخل أو يكترث لما يجري في زوايا هذا الكون.

    هناك آلاف الآلهة التي عرفها البشر خلال تاريخهم.
    وكل من يؤمن بوجود الاله الواحد يرفض جميع هذه الآلهة.
    المسلم ينكر وجود فيشنو (الاله الخالق عند الهندوس)،
    وينكر وجود زيوس (كبير الآلهة عند الاغريق) وغيرهم.

    الملحد لا يعتقد بوجود جميع هذه الآلهة أيضا،
    ويضيف عليهم أيضا ذلك الاله الأخير.
    ليس إلا.

    ما هو الإعـتـقــاد

    إذا افترضنا أن اليقينهو أكثر درجات الحقيقة تأكيدا،
    فالاعتقاد هو أقل من ذلك.

    أحيانا يكون الاعتقاد بشيء مهما،
    كالاعتقاد بصحة أخبار الحرب المتوقعة قريبا..
    وأحيانا يكون الموضوع غير مهم،
    مثل الاعتقاد بصحة وجود إنسان الثلج يتي“.

    أحيانا يكون الاعتقاد بشيء مهما جدا،
    فيسميه المعتقد به ايمانا.
    أي أنه ليس يقينا، ولكن محتوى هذا الايمان مهم جدا لهذا الشخص.

    ومعظم الناس لا يعتقد بمعظم الأشياء غير الحسية،
    ومعهم حق في ذلك، لأن معظم الأشياء غير الحسية غير مهمة بالنسبة لهم،
    فمن يعتقد بوجود الغول،
    أو البعبع،
    أو سانتا كلوز،
    أوغير ذلك؟

    ولكنهم سيستغربون إن سألتهم عن برهانهم عن عدم وجود ذلك.
    فهو بديهي بالنسبة لهم،
    لأن الأصل في الأشياء العدم،
    ولن يبذلوا جهدا كبيرا في البرهان على ما سألتهم،
    لعدم أهمية الموضوع..

    لو أخذنا فكرة ما، مثل إنسان الثلج يتي“.
    وحاولنا البرهان على عدم وجوده.
    فكيف نفعل؟

    يمكننا أن نقوم برحلة الى التيبت، ونحاول البحث عنه.
    لقد تم بالفعل تجهيز أكثر من بعثة بهذا الشكل ولم تجده.
    ولكن هذا لا يعني أنه غير موجود.

    يمكننا كشف التزوير الذي حصل للصور التي يدعي أصحابها أنهم التقطوها له.
    ويمكننا أن نثبت أن القصص التي يتداولها سكان التيبت هي خرافات،
    وأحدا منهم لم يره رؤية العين.
    ولكن هذا لا يعني أنه غير موجود.

    فهناك من يؤمن حتى الآن بوجود الـيتي“.
    بعضهم يربطه بالصحون الطائرة والفضاء الخارجي.
    هذا يعني أنه علينا تقليب الكون حجرة حجرة باحثين عنه،
    وإذا لم نجده في كل الأمكنة وفي كل الأزمان،
    وقتها يكون بامكاننا اعتباره غير موجودا..
    فهل نعتقد بوجوده،
    فقط لصعوبة اثبات العكس؟

    بينما برهان وجوده سهل،
    من حيث المبدأ،
    يكفي أن نمسك بفرد واحد من هذا النوع،
    ونريه لمجموعة من العلماء.

    الأفضل أن ندرس حياته،
    نصوره على أفلام،
    ونتعرف على أكثر من فرد واحد،
    ونراقبهم عبر أكثر من جيل،
    ونفهم كيف يعيش ويأكل ويتزاوج.

    ندرس بنيته التشريحية، ومورثاته،
    ويكون ذلك مجالا مفتوحا للمزيد من البحوث

    عندها نصل الى المعرفة واليقين..

    ســــــــــــــؤال

    لماذا لا نرى جميع سكان الأرض يتفكرون باله المسلمين؟
    لماذا لا يجمعون ليل نهار البراهين على عدم وجود هذا الاله؟
    ليستطيعوا البقاء على عقيدتهم.

    السبب بسيط،
    وهو أن هذاالموضوع غير مهم بالنسبة لهم.
    ليس هناك ما يشغل بالهم على الاطلاق بالنسبة لهذا الموضوع.
    والاستثناءات القليلة تؤكد القاعدة.

    للسبب نفسه لا نجد مسلما يحاول التفكير بصحة المبدأ الهندوسي في الخلق.
    أو يتعب نفسه في دراسة آلاف الكتب والأديان قبل أن يعلن اسلامه.
    ما يحدث عادة هو أن بعض الشك تتم معالجته ضمن العقيدة الموروثة.
    وقلما يخرج المرء عن هذا الاطار.

    صفـــات الإلــــه الواحــــد

    من أهم الاختلافات بين الاله الواحد،
    وبين الآلهة المتفرقة هي عملية اطلاقصفات الاله الواحد.
    فبينما نرى الآلهة مزاجية وتغير رأيها حسب الظروف،
    وتختلف قوتها واستطاعتها حسب تخصصها“.

    نرى الاله الواحد يتمتع بصفات الاطلاق.
    فهو مطلق القدرة، يستطيع خلق أي شيء يريده،
    عندما يريد، من العدم، وبدون أي اعتبار لأي ضرورات.
    لا يحتاج أحدا، يكفي نفسه بنفسه.
    مطلق المعرفة، يعرف كل شاردة وواردة في الكون،
    بل ويعرف جميع الأفكار والمشاعر في نفوس البشر.
    أزلي، وجد قبل بداية الكون وسيستمر الى ما بعد نهايته،
    وربما أوجد نفسه بنفسه.
    مطلق العدل، فهو لن يظلم أي انسان،
    خصوصا في المحكمة الأخيرة (يوم القيامة).
    مطلق الخير والمحبة..
    (هذه خاصية تتركز عند الاله المسيحي،
    ولكنها أيضا موجودة عند اله المسلمين الى حد ما،
    رغم أن التركيز هنا هو على العدل أكثر من المحبة).
    وانعدام الخير يسمى الشر ويعزى الى الشيطان أو الى النفس الأمارة بالسوء.
    في الاسلام هناك 99 اسم لله، وكلها تعبر عن هذه الخصائص وتفريعاتها.
    وكذلك عن الخصائص المتعلقة بعلاقته بالانسان كاستجابته للدعاء، واغاثة المحتاج، الخ.

    وهذه الصفات موجودة جميعها عند الآلهة الأخرى،
    وتعبر عن شخصنةالآلهة،
    حيث أن صفات الآلهة تعبر عن الصفات البشرية،
    ولكنها تتجاوزها من حيث الدرجة،
    فهي قادرة وعادلة كما أن الانسان قادر وعادل،
    وعادة هي تشبه قدرة الملك أو زعيم القبيلة،
    في التحكم بمصائر البشر وتوزيع الارزاق،
    أو البطل المغوار من حيث القدرة العضلية، والتغلب على الاعداء.

    ولكن الاله الواحد يجمع كل الصفات في شخصه.
    وبينما يتوزع تعاطف الآلهة على الناس
    فنرى آلهة متخصصة بحماية قبيلة أو مدينة معينة وتريد الشر لجميع أعدائهم،
    يتمتع الاله الواحد بصفات عولمية،
    حيث أنه مسئول عن جميع البشرية بشكل متساوي.

    كذلك الاله يحب الانسان مثلما تحب الام طفلها،
    وهذا من أكبر فوائد الايمان،
    حيث أنه يساعد المؤمن على تجاوز مراحل الضعف والوحشة،
    حيث أن الاله معه ولا يتركه، ويعرف كوامن نفسه،
    ويساعده عند الحاجة، أو يحقق له رغباته،
    خصوصا اذا زاد في الدعاء والصلاة، أو قدم الاضاحي.

    ولهذا الاطلاق مشاكل كثيرة،
    نفهمها إذا حاولنا فهم هذه الصفات واستشفاف معناها بدون الاطلاق،
    ونرى المشكلة تتفاقم اذا أطلقنا الصفات وجعلناها بلا حدود.

    اللاأدريـــة والإلحـــاد

    مفهوم اللاأدرية والالحاد (حسب تعريفي) غير متعارضين،
    فالالحاد ليس ايمانا، بل هو عدم الاعتقاد.
    واللاأدري لا يعتقد أيضا.
    اللاأدرية هي موقف معرفي.
    أي تأكيد على عدم المقدرة على الوصول إلى حقيقة وجود الآلهة.
    بينما الإلحاد الذي أكتب عنه هو موقف فكري.
    أي أن يعيش الإنسان حياته معتبرا تلك الآلهة غير موجودة،
    لأنه لم يحصل على دليل مقنع على وجودها.

    ولكن هناك نواحي أخرى تؤثر في اختيار التسمية،
    فلفظة الـ لاأدري، هي بكل بساطة ألطف،
    فلا تستفز المؤمنين، بل تترك لهم مجالا للمناورة،
    واستشفاف قاعدة مشتركة.

    وأحيانا تكون تسمية الـلاأدري،
    هي فقط محاولة هروب من مسئولية التفكير الشخصي،
    ومحاولة الحفاظ على شعرة معاويةمع الموروث العقائدي.

    فإن قال لي صديق أن سمكة في حوض الأسماك الذي يزين غرفته تتكلم،
    فهل أقول أنني لا أدريتجاه ظاهر السمك المتكلم،
    لأنني لم أر سمكة تتكلم،
    ومع ذلك لا أستطيع البرهان على عدم وجود سمك يتكلم؟؟؟
    فليس من الممكن البرهان على نفي
    وهو يرفض أن يريني تلك السمكة العجيبة،
    ويريدني أن أعتمد على ثقتي به للتصديق بالموضوع.

    بالنسبة لي أنا أقول أنني لا أعتقد بوجود سمك يتكلم،
    لأنني أعتبر وجوده لا يتناسب مع معرفتي عن السمك،
    ومنهجي في تفسير ظواهر الطبيعة.
    حتى يريني صديقي تلك السمكة العجيبة،
    وأعيد فهم البيولوجيا والبنية التشريحية للحبال الصوتية،
    والمراكز الدماغية المسئولة عن النطق.

    مبدأ اللاأدرية (agnosticism) هو موقف عقلي متوازن،
    يتم اتخاذه بعد كثيرمن البحث والتمحيص،
    وليس مجرد نقطة علامعلى الطريق.
    ولكن محتوى هذا الموقف هو عدم وجود موقفتجاه قضية وجود الله أو عدمه.
    والسبب الأساسي يكون عادة عدم كفاية الأدلة،
    وإحدى نتائجه هي اعتبار احتمال وجود الاله غير كبير.
    والالحاد قد يكون متطرفا فيدعي أصحابه امكانهم البرهان على عدم وجود الله،
    والفرق هنا هو في تقييم مفهوم البرهان“.
    ناهيك عن الاختلاف المعنويالذي ذكرته سابقا، للتقريب بين المواقف،
    أو محاباة المتدينين.

    يــتـــــبـــــــع

    دعوة النورانية – منهج خلاص الإنسانية من بؤسها القديم المتواصل – المبادىء

     

     

    هذا نداء للناس كافة.. فانضموا إلينا

    تحابُّوا.. إنَّ الحبَّ يُبهجكم.. وبهجة الحبِّ تُنيركم

     

    المبادئ

    1- الحب هو السبيل الذي تنطلق فيه مجاهدتنا لأنفسنا.. نحو هدف: هزيمة الفساد بإنارة الكهوف المظلمة فينا وحولنا….

    2- الحب انفتاح على الحياة.. وغير مشروط بالتملك المستبد.. ولكنه الفعل الذي نحقق به حريتنا الأصلية الروحية….

    3- الحرية شعور لاعدواني.. نستعيد به حقنا الأصيل في البهجة: بهجة الحب….

    4- بهجة الحب تنيرنا.. وبنورها، ننعتق من ظلامات نفوسنا….

    5- ويكون تحررنا من ظلامات النفوس إيجابيا، إذا ما تحقق بالوعي العقلي الروحي المنفتح بالتجدد دوما….

    6- النورانية سبيل الإنسانية إلى انعتاقها من تاريخها الظلامي.. والتفوق عليه، بإنارة الوجدان والوعي بالحب والبهجة..

    7- ومنهج النورانية: الحوار بالعقل المحب المبتهج بالحرية.. وبه يرقى الإنسان، فردا ومجتمعا، إلى مقام النورانية: مقام الإنسانية الأرفع….

    8- وفي المقام النوراني، لا يكون في الناس عبيد.. بل أحرارا أحرارا يكونون.. وبينهم العدل يكون.. والسلام المبتهج أيضا يكون…. وبحب مبتهج بالحرية، مفعم بالتفاؤل المعطاء النشط: يزرع الناس معا.. وينمو الخير ويحصد الناس الزرع معا.. ويصلون معا.. وينشدون ببراءة الطفولة النقية معا: إن مجد الإنسان قام….

     

    بهذه المبادئ.. تنطلق “دعوة النورانية”.. ومن فوق كل القيود والحدود التي تفصل بين الناس.. لتبشر في كل الناس.. في كل الأرجاء.. في الحاضر والقادم من الزمان.. بالحب المستنير بالعقل المنفتح.. منهجا لخلاص الإنسانية من بؤسها القديم المتواصل.. وفي ضياء النهارات التي لا تشوبها الأكدار.. دعوة زاخرة بالأمل في الانتصار على كل شر.. وبالإيمان العميق أن إرادة الحب لا بد أن تنتصر على كل شر.. دعوة تنهض في عقولنا المحبة المبتهجة.. وتناديكم يا كل بنات وأبناء أمهاتنا وآبائنا.. أن انضموا إلينا.. ليرقى الإنسان فوق الهوان وفوق الجهل وينعتق فينطلق كريما حرا مبتهجا في عالم نوراني نبدع فيه: عالمنا الأجمل.. لنا كلنا..

    برتراند راسل – لماذا لست مسيحيا؟؟؟

     

     

    ملخص محاضرة بعنوان (لماذا لست مسيحيا؟) ألقاها عام 1927 في أحد مؤتمرات المنظمة العلمانية البريطانية في لندن.
    مترجمة عن اللغة الألمانية.ترجمة: قصي عبد الرحمن (Chajjam)
    لماذا لست مسيحيا؟؟؟
    برتراند راسل

     

    كما سمعتم فإن الموضوع الذي سأتحدث به اليوم هو : لماذا لست مسيحيا؟
    لا اقصد بالمسيحي ذلك الشخص الذي يحاول العيش ، حسب قدراته العقلية (أي حسب مفاهيمه العقلية)، بشكل محترم. حسب مفهومي فإن الشخص يجب أن يكون

    حاملا بدرجة معينة لأفكار دينية قبل أن يُطلق عليه لقب : مسيحي. طبعا فإن كلمة مسيحي اليوم لا تحمل نفس المعنى الذي كانت تحمله في أيام القديس أوغسطين أو توماس الأكويني . ففي تلك الأيام، اذا قال أحدهم انه مسيحي، هذا يعني أن المرء يعرف تماما ما قصده أي أنه يؤمن بمجموعة معينة من الأفكار الدينية و أنه يؤمن بكل كلمة منها بكل قوته و كل قناعته.

    من هو المسيحي؟ أصبح الأمر مختلفا هذه الأيام. بالنسبة لنا فإن المسيحية لا تحمل معنى محدد و لكني أرى وجوب توافر شيئين رئيسيين في الشخص قبل أن يكون مسيحيا و هما: الإيمان بالرب و بالخلود ( و هذا لا يكفي لأن المحمديون – أي المسلمون – يؤمنون أيضا بالرب و بالخلود و لكنهم غير مسيحيون) لذلك يتعين على الشخص أن يؤمن ، في حال عدم الإيمان بإلوهية المسيح، و لو بشكل خفيف جدا بأن المسيح على الأقل هو أفضل و أحكم إنسان. في غير هذه الحالة لا يحق لك أن تطلق على نفسك صفة: مسيحي.
    لذلك عندما أتحدث عن لامسيحيتي، يلزم أن أحدثكم عن أمرين: أولهما لماذا لا أؤمن بالرب و لا بالخلود و ثانيا لماذا لا أجد أن المسيح أفضل و أحكم الناس على الرغم من أنني يجب أن اعترف له بدرجة عالية من الأخلاق الدينية.
    يعود الفضل إلى جهود المشككين في تعريفي المطاط للمسيحية. كما قلت لكم فإن كلمة مسيحي في الماضي كانت تحمل معنى أكثر حيوية من الآن. فعلى سبيل المثال كان الإيمان بالنار (جهنم) هو جزء من الإيمان المسيحي و ذلك حتى وقت قريب من الآن. أي أنه كان جزءا أساسيا و جوهريا لدى كل مسيحي. كما تعلمون تغير هذا الأمر في هذا البلد (أي بريطانيا) ، بعد القرار الذي صدر عن مجلس الدولة و و الذي لم يوافق عليه أسقف كانتربري و أسقف يورك. طالما في هذا البلد يمكن تغيير المعتقد عبر قرارات البرلمان و بذلك تم إلغاء النار كجزء من المعتقد المسيحي، لن أصر على أن من واجب المسيحي الإيمان بالنار.

    وجود الرب:

    إذا اقتربنا من السؤال المتعلق بوجود الرب سنجده سؤالاُ ضخماً وجدياً. لو أنني أريد أن أعالج هذا الموضوع بطريقة جيدة، لوجب علي أن أحتفظ بكم هنا إلى يوم القيامة، لذلك اسمحوا لي أن أعالجه بشكل مختصر.
    كما تعلمون، وضعت الكنيسة الكاثوليكية الرب كمرتكز إيماني أساسي للمسيحية و قررت أنه يمكن إثبات وجود الرب عن طريق العقل. هذا المبدأ هو شيء عجيب و لكنه جزء من مبادئها. تم إنشاء هذا المبدأ لأن عادة المفكرون المتحررون كانت القول بأن هذه الأسباب العقلية أو تلك تعارض وجود الرب و لكن رغم ذلك و عبر الإيمان هم مؤمنون بوجود الرب. طالت هذه الحوارات و لذلك شعرت الكنيسة الكاثوليكية أن عليها إيقاف ذلك فقررت وضع البراهين القاطعة على إمكانية إثبات وجود الرب بطريقة عقلانية. طبعا هناك الكثير من الفرضيات و لكنني سأعرض منها القليل هنا.

    1-برهان المسبب الأول:
    حجة المسبب الأول هي الأسهل للفهم، هي تعني: كل شيء نراه في هذا الكون له سبب و عندما نذهب في سلسلة المسببات سنصل إلى المسبب الأول و هو الرب. هذه الفرضية لا تحمل ثقلا كبيرا هذه الأيام و لا تحمل نفس المعنى كما في الأيام الماضية. تطرق الفلاسفة و رجال العلم إلى هذا الموضوع و لذلك فقد هذا المصطلح (المسبب الأول) الكثير من صلاحيته. و لكن و بغض النظر عن ذلك يمكن أن نرى أن حجة المسبب الأول لا تحمل حاليا أي معنى. أعترف أنه خلال وقت شبابي عندما كنت أعطي هذه الأسئلة الكثير من الجدية و الأهمية كنت أعتقد بصحة حجة المسبب الأول إلى أن قرأت ، في عمر ال 18 سنة، سيرة حياة جون ستيوارت ميل حيث وردت الجملة التالية: “علمني والدي أنه لا توجد إجابة عن السؤال: من خلقني؟ لأن السؤال التالي سيكون: من خلق الرب؟” هذه الجملة القصيرة هي التي أوضحت لي مغالطة هذه الحجة. إذا كان لكل شيء مسبب يجب أن يكون للرب مسبب أيضا. إذا وجب وجود شيء بدون مسبب، يستطيع هذا الشيء أن يكون العالم (الكون) كما الرب في هذه الحجة التي بدون معنى. تتشابه هذه الحجة مع حجة الهندوسي الذي يقول أن العالم موجود على ظهر فيل و هذا الفيل يقف على ظهر سلحفاة و عندما سُئل هذا الهندوسي عن السلحفاة، أجاب: لنتحدث عن شيء آخر. حجة المسبب الأول ليست أفضل من ذلك. لا يوجد سبب يمنع الكون من أن يكون وجوده بدون سبب و لا يوجد سبب يجعلنا نقول أن الكون له بداية. الفكرة أن لكل شي بداية هي نتيجة فقر قوة خيالنا. لذلك لن أضيع المزيد من الوقت على حجة المسبب الأول.

    2-البرهان عبر القانون الطبيعي:
    بالإضافة إلى ذلك توجد حجة القانون الطبيعي التي كانت سائدة خلال القرن الثامن عشر و ذلك تحت تأثير نظريات اسحق نيوتن و آراءه عن نشوء الكون. لاحظ المرء أن الكواكب تدور حول الشمس حسب قانون الجاذبية، لذلك ظن الناس أن الرب أعطى الأمر بالتحرك بهذه الطريقة. كان هذا التفسير سهلا و بسيطا أراح الناس من شروح إضافية لقانون الجاذبية. حاليا نشرح نحن قانون الجاذبية بشكل أكثر تعقيدا و ذلك حسب الطريقة التي وجدها آينشتاين. لن ألقي عليكم الآن محاضرة حول قانون الجاذبية كما يشرحها أينشتاين لأن ذلك سيأخذ وقتا طويلا.يكفي القول أن القوانين الطبيعية التي كانت حسب نظام نيوتن و لأسباب لا يفهمها أحد واحدة في كل مكان هي الآن بالنسبة لنا مجرد قناعات بشرية. أنتم تعرفون أن 1 متر يساوي 100 سم في أظلم بقعة في الكون. بدون شك هذه نتيجة تستحق الملاحظة و لكن هذا الشيء ليس قانونا طبيعيا. الكثير مما كان يُعتقد انه قانون طبيعي هو على هذه الشاكلة. من جهة أخرى عندما يتطرق المرء إلى الذرة و تصرفاتها يستطيع أن يربح وجهة النظر بأن الذرة تتصرف وفق قوانين أقل مما يعتقده. أي أن القيم المتوسطة التي نأخذها منها تتشابه مع القيم التي تأتي عن طريق الصدفة. معروف وجود القانون بأن رمي نردين (حجري زهر) يعطي الرقم 6 معا بمعدل مرة كل 36 رمية و لكن ذلك لا يمكن اعتباره قانونا (أي التحكم بالنتيجة من قبل من يقوم بذلك). على العكس من ذلك لو حصلنا في كل رمية على الرقمين 6 لاستطعنا القول بأن هناك تحكم و رغبة من قبل الفاعل في الحصول على النتيجة. أغلبية قوانين الطبيعة هي على هذه الشاكلة. حسب وجهة النظر الإحصائية هي قيم إحصائية متوسطة تنبثق عن قانون الاحتمالات و بهذا يظهر لنا أن مسألة القانون الطبيعي أقل إدهاشا لنا منها في الماضي. بغض النظر عن هذه الأفكار التي هي الآن المستوى العلمي الحديث و الذي يمكن أن تتغير مستقبلا فإن الفكرة الأساسية لهذه الحجة هو أن هناك صانع قوانين لهذه القوانين الطبيعة و هذا ما يدخل الاضطراب بين القوانين الطبيعية و القوانين البشرية. القوانين البشرية تأمرنا بتصرفات معينة و لكننا نستطيع أن نتبعها أو نتجاهلها بينما القوانين الطبيعة تصف الكيفية الحقيقية لتصرف الأشياء. و لذلك لا يمكن وجوب وجود من أمر الأشياء حسب هذه الطريقة لأنه في حال افتراض ذلك سيأتي السؤال: “لماذا أمر الرب بهذه القوانين الطبيعية و لم يأمر بغيرها؟. عندما تقولون أن ذلك حدث بدون سبب ما، أي لأن ذلك أعجبه، يجب أن تعترفوا بأن هناك شيء ما لا يخضع لهذه القوانين و بالتالي فإن سلسلة القوانين الطبيعية لن تكتمل. و إذا قلتم ، كما المتدينون الأرثوذكسيون: بأن الرب لديه أسبابه الخاصة في ذلك ، و هذا السبب سيكون في هذه الحالة خلق الكون في أحسن صورة، رغم أن المرء و عبر بعض التأمل و التفكر لن يكون على هذا الرأي،أي في حال أن الرب لديه أسبابه الخاصة في خلق الكون فإن هذا الرب سيكون خاضعا لهذه القوانين. و لذلك لا توجد لكم أي فائدة من إعطاء الرب مركز الوسيط بين الطبيعة و القوانين. لأن في هذه الحالة لديكم قانونا خارج القانون الإلهي و الرب في هذه الحالة لا يخدم قضيتكم لأنه ليس صانع القوانين الأول. باختصار فإن حجة القانون الطبيعي ليست أكبر حجما مما سبقها.

    سأعرض الآن بشكل متسلسل زمني الحجج التي تم استخدامها من أجل الرب و التي تغيرت مع الزمن.
    في البداية كانت الحجج فكرية تحتوي على تصورات خاطئة و لكن و مع تقدم الزمن تفقد هذه الحجج بريقها و تتحول بشكل أقوى إلى ضغط أخلاقي مشوش.

    3-
    الحجة الدينية على وجود الرب:
    الخطوة التالية ستكون استعراض البرهان الديني. أنتم تعرفون جميعا أن العالم موجود بطريقة من أجل أن نستطيع أن نعيش فيه. هذه هي حجة تصميم العالم من أجل هدف معين. في بعض الأحيان يأخذ ذلك شكلا عجيبا.لنفترض على سبيل المثال أن الأرانب لها ذيولا بيضاء، كي نستطيع اصطيادها بسهولة. لا أعرف كيف سيكون موقف الأرانب من ذلك؟ أنها حجة تبعث على السخرية. أنتم تعرفون مقولة فولتير بأن الأنف مصنوع على هذه الشاكلة من أجل يحمل النظارة. هذا النوع من الآراء هي بعيدة عن الحقيقة و ليس ذلك فقط خلال القرن الثامن عشر لأننا منذ داروين بدأنا نفهم بشكل أفضل لماذا تتكيف الأحياء مع بيئتها. ليست البيئة هي التي صُنعت من أجل الكائنات الحية إنما الكائنات الحية هي التي تكيفت مع بيئاتها. هذه هي قاعدة التكيف و لا نستطيع أن نرى أنها في ذلك مصنوعة قصدا لتكون على هذه الشاكلة.
    عندما ينظر المرء إلى الحجة الدينية بشكل مكثف، انه مدهش: كيف يستطع الناس الإيمان بأن هذا الكون مع كل ما فيه و مع كل أخطائه هو أفضل ما استطاع هذا القادر على كل شي و العارف بكل شيء أن يصنعه خلال ملايين السنين. حقا، لا أستطيع أن أؤمن بذلك. هل تعتقدون بأنه لو كنتم عارفون بكل شيء و لو كنتم قادرين على كل شيء و كذلك معكم من الوقت ملايين السنين من أجل صنع الكون بأفضل شكل ممكن، هل لن تصنعوا أفضل من ال كو كلوكس كلان (Ku-Klux-Klan) أو من الفاشيين؟؟؟ عندما يأخذ المرء قوانين العلم العادية سيجد المرء أن الحياة البشرية على هذا الكوكب و الحياة بشكل عام ستنتهي في نقطة زمنية معينة، أي أنها مرحلة انتقالية في دمار و خراب المجموعة الشمسية. في مرحلة انتقالية معينة تكون البلاسما مناسبة للحياة و ذلك لمرحلة قصيرة من عمر المجموعة الشمسية. القمر يعرض أمام العيون كيف ستكون نهاية الأرض، ميتة، باردة و بلا حياة.
    هذا الرأي يسبب بلا شك التشاؤم، كما قيل لي، و بعض الناس قالوا لي أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في الحياة عندما يؤمنون بذلك.لا تصدقوا ذلك لأن هذا كلام سخيف. في الحقيقة لا أحد يمعن التفكير بما سيحدث بعد ملايين السنين. حتى في حال أن الناس يعتقدون أنهم مهمومون بشأن ذلك فإنهم يخادعون أنفسهم. إنهم يقلقون بشأن أشياء دنيوية قد لا تكون إلا الهضم السيئ، و لكن الفكرة ،ماذا سيحدث للعالم بعد ملايين السنين، لا تسبب في بؤس و تعاسة أي إنسان. بالرغم من أنها في الحقيقة نظرة قاتمة عندما يرى المرء أن الحياة ستنتهي و رغم ذلك عندما أرى أحيانا ماذا يصنع البشر في حياتهم أرى ذلك (النظرة التشاؤمية) نوعا من التعزية. و لذلك فإن هذه النظرة التشاؤمية لا تتسبب بتعاسة حياتنا إنما تدعونا إلى لفت النظر إلى أشياء أخرى.

    4-
    الحجة الأخلاقية:
    نأتي الآن إلى خطوة تالية أسميها التطور الفكري و هي ما يسميه الدينيون في مجادلاتهم بإسم البرهان الأخلاقي على وجود الرب. في الماضي كان هناك ، كما هو معروف، ثلاث براهين عقلية على وجود الرب، تلك التي نقضها ايمانويل كانت Imanuel Kant في كتابه “نقد العقل المحض” و لكنه بعد أن نقضها اخترع البرهان الأخلاقي الذي كان كانت مقتنعا به تماما. كما الكثير من الناس المثقفين كان ايمانويل كانت متشككا و لكنه في أمور الأخلاق كان يؤمن بشكل كامل بالمبادئ التي تلقاها في بداية حياته. هذا يوضح لنا ، كما يردد المحللون النفسيون، التأثير الكبير لمرحلة الطفولة بالنسبة إلى الحياة المستقبلية. كما قلت، اخترع كانت (Kant) برهانا أخلاقيا لوجود الرب كان سائدا كثيرا خلال القرن التاسع عشر بعدة أشكال. المقولة أنه بدون وجود الرب لا يوجد خير أو شر. لن أدخل الآن في موضوع إذا كان هناك فرق بين الخير و الشر لأن ذلك سؤال آخر. المشكلة التي سأتعرض لها الآن هي: إذا كان المرء واثقا تماما أن هناك فرق بين الخير و الشر، يجد المرء نفسه أمام السؤال التالي: هل الفرق بين الخير و الشر له علاقة بقدرة الرب أو لا؟. عندما يكون لهذا الفرق علاقة بقدرة الرب فهذا يعني أن الفرق بين الخير و الشر لا يعني بالنسبة للرب أي شيء و هذا يعني عدم وجود معنى للمقولة أن الرب خير. عندما يقول المرء، كما المتدينون، أن الرب خيّر، يجب على المرء أن يقول أن الخير و الشر لهما معنى لا علاقة له بالرب. لأن أوامر الرب خيّرة و ليست سيئة فهذا يعني أن الخير و الشر لا علاقة لهما بأنه اصدر الأوامر (الخلق), لذلك يجب أن يعترف المرء أن الخير و الشر لم يوجدا من خلال أوامر الرب إنما كانا موجودين، منطقيا، قبل وجود هذا الرب. طبعا يستطيع المرء هنا أن يقول أن هناك آلهة أعلى مقاما من هذا الرب الذي خلق عالمنا هي التي أعطت الأوامر (لخلق الخير و الشر) أو يستطيع المرء أن يأخذ موقف الغنوصيون، الذي أجده أكثر منطقية، و يقول أن العالم خُلق من قبل الشيطان في لحظة غفلة من الرب. هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن يضعها المرء في صحة هذا الرأي و ليست مهمتي أن أدحضها.


    5-
    حجة العدالة التي يجب أن تكون متوازنة:
    كذلك هناك حجة غريبة و هي القول أن وجود الرب ضروري من أجل تحقيق العدالة في هذا العالم. في هذا الجزء من الكون، الذي نعرفه، يسود ظلم كبير. في أغلب الحالة يعاني الخيّرون بينما حال الأشرار جيدة و القول أي الوضعين أسوأ هو صعب. إذا وجب أن تسود العدالة في الكون يجب على المرء أن يقول بحياة مستقبلية تفرض عدالة مقارنة مع الحياة الأرضية. لذلك يُفترض وجود الرب و كذلك يُفترض وجود الجنة و النار من أجل أن تسود العدالة المطلقة. هذه حجة غريبة جدا. عندما يرى المرء هذه القضية من الناحية العلمية فإنه سيقول:”في النهاية، أنا أعرف هذا الكون فقط. أنا لا أعرف كيف هي بقية الكون و لكن إذا أخذنا بالاحتمالات سنجد أن هذا العالم (الأرضي) هو عينة جيدة من الكون و أنه إذا كان الظلم هنا سائدا فإن الظلم سيكون سائدا في كل أرجاء الكون. لنفترض أن لدينا صندوق برتقال و أننا قمنا بفتحه لنكتشف أن الطبقة العليا مؤلفة من برتقالات فاسدة، فإننا لن نفترض أن برتقالات الطبقة السفلى ليست فاسدة من أجل أن يتحقق التوازن. على الأغلب أننا سنقول أنه على الأغلب أن برتقالات الصندوق بكاملها فاسدة. بهذه الطريقة سيحكم الإنسان، الذي يفكر بطريقة علمية، على الكون. هذا الإنسان سيقول: في هذا العالم يوجد الكثير من الظلم و هذا سبب كاف لنقول أن العدالة لا تحكم العالم، و هذا يعطينا سببا أخلاقيا ضد الرب و ليس له. طبعا أنا أعرف أن هذه الحجج التي شرحتها لكم هي التي تثير الناس. و لكنها ليست الأسباب التي تدفع الناس للإيمان بالرب لأن أغلبية البشر يؤمنون بالرب لسبب أساسي و هو أنهم تعلموا ذلك في طفولتهم. و السبب الثاني في إيمانهم هو بحثهم عن الأمان، عن نوع من الشعور بوجود أخ أكبر منهم يرعاهم. هذا الأمر له الدور الأكبر في رغبة البشر بالإيمان بالرب.

    شخصية المسيح:

    أريد أن أقول كلمات قليلة حول هذا الموضوع، الذي أعتقد أن العقلانيين لم يتطرقوا إليه بالشكل الكافي. السؤال هو: هل كان المسيح أفضل البشر و أكثرهم حكمة؟ بشكل عام يسود الاعتقاد أننا جميعا متفقون على ذلك. أنا لا أعتقد بذلك. أنا اعتقد أن هناك العديد من النقاط التي اتفق بها مع المسيح أكثر ممن يدعي المسيحية. أنا لا أتفق معه في كل كلامه و لكنني أتفق معه أكثر من أغلبية مدعي المسيحية. أنتم تذكرون أنه قال : “لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا” (متى5 / 39). هذا الكلام أو المبدأ ليس جديدا. هذا الكلام قاله لاوتسي و بوذا قبل المسيح ب 500 أو 600 سنة و هذه المقولة من المقولات التي لا يتبعها المسيحيون بشكل عام. ليس لدي شك بأن رئيس الوزراء الحالي (ستانلي بالدوين) مسيحي حق و لكني لن انصح أيّا منكم بأن يذهب إليه و يصفعه على خده لأنكم ستكتشفون انه يعتقد أن هذه المقولة مجازية المعنى (ليست حرفية).
    هناك نقطة أخرى أجدها ممتازة. أنتم تذكرون أن المسيح قال: “لا تدينوا لكي لا تدانوا” (متى 7 / 1). لا أعتقد أنكم ستجدون هذا المبدأ في محاكم الدول المسيحية. لقد عرفت في حياتي العديد من القضاة المسيحيين المخلصين و جميعهم لم يشعروا أنهم يناقضون المسيحية عندما كانوا يطلقون أحكامهم. كذلك قال المسيح: “من سألك فأعطه، و من يريد أن يقترض منك فلا ترده” (متى 5/ 42). هذه مقولة نبيلة أيضا. نبهكم المدير هنا بأننا لن نتحدث في السياسة هنا و لكني لا أستطيع إلا أن ألاحظ أن المعركة الأخيرة في الانتخابات الأخيرة كانت تدور حول إذا كان الاقتراض محبذاً. لذلك أستطيع أن أفترض أن الليبراليين و المحافظين في هذا البلد يتكونون من أناس لا يوافقون على مبادئ المسيح لأنهم كانوا ضد الاقتراض.
    هناك أيضا أحد مبادئ المسيح التي أعتقد انه مهم جدا و لكني لا أجد أن هذا المبدأ محبوب جدا لدى أصدقاءنا المسيحيين، قال المسيح: “إن أردت أن تكون كاملا فاذهب و بع أملاكك و أعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني” (متى19/21). هذا مبدأ ممتاز و لكن كما قلنا سابقا لا يجد هذا المبدأ الكثير من التطبيق. برأيي أن هذه المبادئ جيدة و لكنه من الصعب أن يعيش المرء حسبها. أنا شخصيا لا أقول أنني أطبقها و في النهاية فان هذه المبادئ لاتعني لي كما تعني للمسيحي.

    الخلل في تعاليم المسيح:

    بعد أن اعترفت بصحة بعض تعاليم المسيح سأذكر بعض التفاصيل التي لا أعتقد أنها، كما وردت في الأناجيل، تمثل حكمة عليا أو خير عظيم و أضيف هنا أنني لن أدخل في التحليل التاريخي. حسب المنظور التاريخي يساورنا الشك أصلا في وجود المسيح و في حال وجوده فإننا لا نعرف شيئا عنه. لذلك لن أدخل في هذا السؤال التاريخي الصعب بل سآخذ المسيح كما ورد في الأناجيل و سآخذ روايات الأناجيل كما وردت. هنا توجد بعض الأشياء التي لا أرى فيها أي حكمة. لا بد أن المسيح اعتقد أن قدومه الثاني في سحائب النصر سيكون قبل موت معاصريه. هناك العديد من المقاطع التي تثبت هذا الظن. على سبيل المثال قال المسيح: “…لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان” (متى 10/ 23) و قال أيضا: “الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان آتيا في ملكوته” (متى16 / 28). و هناك الكثير من المواقع (في الأناجيل) التي يظهر واضحا منها ان المسيح كان يعتقد أنه سيعود خلال حياة بعض معاصريه. هذا كان إيمان اتباعه الأوائل و أساس تعاليمه الأخلاقية. عندما يقول المسيح: “فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه” (متى 6 / 34) و ما شابه ذلك فإنه يقول ذلك لأنه كان يعتقد أن قدومه الثاني سيكون قريبا و لذلك فإن الأمور الأرضية تصبح بلا معنى. لقد عرفت حقا بعض المسيحيين الذين يعتقدون أن قدومه قريب جدا. أحد الكهنة الذين كنت أعرفهم كان يرعب الناس بأن يقول لهم بأن قدوم المسيح الثاني أصبح قريباً جدا حقا و لكن عندما رأى الناس أن هذا الكاهن كان يزرع الأشجار في حديقته هدأ روعهم. صدّق المسيحيون الأوائل هذه الأشياء و تخلوا عن أشياء عادية كزراعة الأشجار في الحديقة لأنهم أخذوا من المسيح إيمانه بعودته الوشيكة. في هذا الأمر لم يكن المسيح ذكيا كغيره و لم يكن حاملا للحكمة العليا.

    المعضلة الأخلاقية:

    لنلتفت الآن إلى الأسئلة الأخلاقية. برأيي الشخصي كان هناك خلل كبير في أخلاق المسيح و هو أنه كان يؤمن بالجحيم. من ناحيتي لا يمكنني أن اعتقد أن الشخص الذي يتحلى بالأخلاق الإنسانية يمكن أن يؤمن بالعقوبة الأبدية. المسيح، كما تشرح لنا الأناجيل، كان يؤمن بالعقوبة الأبدية و كذلك يجد المرء في هذه الأقوال الغضب و الرغبة في الانتقام من البشر الذين رفضوا الإصغاء لمواعظه. و هذا الموقف ليس غريبا لدى المبشرين و هذا الموقف يضع ألوهيته في موضع الشك. على سبيل المثال لن يرى المرء هذا الشيء لدى سقراط الذي كان لطيفا و حكيما تجاه الناس الذين رفضوا الإصغاء له. أنا أعتقد أن هذا الموقف (من سقراط) هو أكثر حكمة و كرامة من الغضب. أنتم تتذكرون أقوال سقراط قبل موته و انتم تتذكرون الأقوال التي كان يوجهها بشكل عام للأشخاص الذين لا يوافقونه الرأي.
    المسيح يقول في الأناجيل: “أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟” (متى 23 / 33) هذا ما قاله المسيح لأناس لم يُعجبوا بمواعظه. في رأيي أن هذا الكلام ليس أحسن تصرف. في الإنجيل هناك الكثير من المواضع المشابهة التي تتحدث عن الجحيم كما الجملة المشهورة حول التجديف على الروح القدس: “من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له. و أما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم و لا في العالم الآخر.” هذا الموقع (متى 12 /32) تسبب في شقاء الكثير من الناس لأن الكثير من الناس اعتقدوا أنهم أخطئوا تجاه الروح القدس و أنه لن يُغفر لهم لا في هذا العالم و لا في العالم الأخر. لا أعتقد أن هناك إنسان يمتلك بعض الخير في نفسه سيوزع هذه الكمية من الخوف و الرعب في العالم.
    ثم قال المسيح: “يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر و فاعلي الإثم و يطرحونهم في أتون النار، هناك يكون البكاء و صرير الأسنان.”(متى 13 / 40-41) حول البكاء و صرير الأسنان يتحدث مرة أخرى و يأتي ذلك في أية تلو أية و لذلك يتضح للقارئ أن الحديث عن البكاء و صرير الأسنان يتسبب ببعض المتعة. أنتم تتذكرون أيضا الحديث عن الجداء و الخراف و كيف سيقول عند عودته للجداء: “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية.” (متى 25 / 41) و يتابع أقواله: “و إن اعثرتك يدك فاقطعها. خير لك أن تمضي تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان و تمضي إلى جهنم، إلى النار التي لا تطفأ حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفأ.” (مرقس 9-43)و هذا يكرره المسيح مرات عديدة. يجب أن أقول أن المعتقد الذي يعتمد على نار الجحيم كعقوبة للخطيئة هو معتقد شديد القسوة. هذا المعتقد جاء بالقسوة إلى العالم و بالتعذيب إلى أجيال كثيرة. إذا افترض المرء أن المسيح كان في الحقيقة كما تصوره الأناجيل يجب أن يتحمل جزءا من المسؤولية (على نتيجة أقواله).
    هناك أشياء أخرى و لكنها أقل أهمية. ك حكاية الخنازير و هذه القصة ليست لطيفة بالنسبة للخنازير التي تلبستها الشياطين حتى أنها سقطت من أعلى الجرف إلى البحر و ماتت. يجب أن تفكروا أنه (المسيح) كان كلي القدرة و أنه كان يستطيع أن يرسل الشياطين بعيدا و لكنه وافق أن تذهب الشياطين إلى الخنازير. أنتم تتذكرون بلا شك الحكاية العجيبة ل شجرة التين، هذه الحكاية التي لا أعرف حقا ما أقول بها. “و في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع. فنظر شجرة تين من بعيد و عليها ورق و جاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها و لم يجد شيئا إلا ورقا. لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع و قال لها لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد. … فتذكر بطرس و قال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست.” (مرقس 11: 12-21).هذه حكاية غريبة. لأن المرء لا يستطيع أن يلوم شجرة التين لأنه لم يكن موسم التين. من جهتي لا أستطيع أن أجد لدى المسيح الحكمة و الأخلاق التي أجدها في شخصيات تاريخية أخرى. في وجهة النظر هذه أستطيع أن أضع بوذا أو سقراط في مرتبة أعلى منه.

    اللحظة العاطفية:

    كما قلت سابقا، لا أعتقد أن السبب الحقيقي في إيمان البشر بالأديان له علاقة بالبرهان على الأديان. الناس مؤمنون لعوامل عاطفية. كثيرا ما يُقال أن مهاجمة الدين شيء سيء لأنه (أي الدين) يجعل البشر طاهرين (صاحبي أخلاق). هذا ما يقوله الناس و لكني لا ألاحظ ذلك. أنتم تعرفون السخرية من هذه الحجة في كتاب صموئيل بتلر: Erewhon Revisited. كما تذكرون يوجد في هذه الرواية الشخصية هيغز الذي وصل إلى بلد بعيد و بعد مضي بعض الوقت يقرر أن يهرب بواسطة منطاد من هذه البلد. بعد عشرين عام عاد هيغز إلى هذا البلد و وجد أن الناس يؤمنون بديانة جديدة اسمها “ابن الشمس” و فيها يقدسه الناس و يتحدثون عن صعوده إلى السماء. هيغز عرف أيضا أن عيد الصعود إلى السماء وشيك و كذلك سمع البروفسوران هانكي و بانكي يتحدثان أنهما لم لم يشاهداه و أنهما لا يرغبان برؤيته. إنهما الكاهنان الأكبران لديانة “ابن الشمس”. ثارت حفيظته و ذهب اليهما و قال: “سأفضح هذا الخداع و سأخبر شعب البلد أنني لست سوى الإنسان هيغز و أنني سافرت بالمنطاد فقط”. كانت الإجابة على كلامه: “لا يحق لك أن تفعل هذا، أخلاق البلد مرتبطة بهذه الأسطورة. عندما يعرف الناس أنك لم تصعد الى السماء سيصبحون أشرارا.” و هكذا اقتنع هيغز بالقول و قرر أن يغادر البلد بدون أن يلحظه احد.
    هذه هي الفكرة الأساسية أننا سنصبح أشرارا عندما تخلى عن الدين المسيحي. يبدو لي أن القسم الأكبر من الناس الذين يتمسكون به (الدين المسيحي) هم أناس سيئون. يوجد حقيقة عجيبة أن الوحشية تزداد و أن الوضع العام يسوء كلما قوي الدين و كلما اشتدت العقيدة الدينية. في ما يُسمى بعهود الإيمان، عندما كان الإيمان بالدين المسيحي أقوى ما يمكن، كانت محاكم التفتيش موجودة بتعذيبها و تم حرق ملايين النساء بتهمة السحر و بإسم الدين تمت ممارسة كل أنواع الفظاعة الممكنة.
    عندما ينظر المرء الى العالم سيجد أن كل تقدم طفيف للإنسانية و كل تحسين في قوانين العقوبات و كل الإجراءات من أجل القضاء على الحروب و كل خطوة من أجل تحسين معاملة العروق الملونة أو كل خطوة لتخفيف العبودية و كل تقدم أخلاقي على الأرض يتم محاربته من المؤسسات الكنسية. أقول بعد تفكير عميق أن الدين المسيحي بكنائسه المنظمة كان و لا يزال العدو الأساسي لتطور العالم الأخلاقي.

    كيف أعاقت الكنيسة التطور:

    قد يكون رأيكم أنني أذهب بعيدا عندما أزعم أن الأمر كان هكذا دائما. و لكني لست من هذا الرأي. لنأخذ شيئا واحدا على سبيل المثال.يجب أن تعذروني عندما أذكر ذلك لأن ذلك ليس حقيقة جيدة و لكن المرء يُجبر من قبل الكنائس على قول أشياء ليست فرحة. لنفترض في عالمنا الحالي أن هناك فتاة بدون أي خبرة تزوجت من رجل مصاب بالسفلس (بدون علمها بمرضه و لذلك تريد الطلاق منه). في هذا الأمر تقول الكنيسة الكاثوليكية: “هذا الرباط المقدس لا يمكن المساس به. يجب أن تبقيا متزوجان معا الى نهاية العمر”. و المرأة لا تستطيع أن تفعل شيئا من أجل أن لا تنجب أطفالا مريضين بالسفلس. هذا ما تقوله الكنيسة الكاثوليكية. أنا أسمي ذلك وحشية لا إنسانية .لا يوجد أي شخص، من الناس اللذين لم تتشوه عواطفهم بفعل المعتقد الديني أو من الذين ماتت لديهم كل الأحاسيس الأخلاقية، سيقول أنه موافق على هذا التشريع و أنه يوافق على بقاءه.
    هذا مثال واحد فقط. هناك الكثير من الممارسات التي تقوم بها الكنيسة تحت ذريعة “علم الأخلاق” و تتسبب من خلالها بالكثير من الألم للكثير من الناس.و بالطبع فإن الكنيسة، كما نعرف ، هي عدو التقدم و عدو التحسينات التي قد تساهم في تقليص المعاناة البشرية لأن الكنيسة تفهم تحت مصطلح الأخلاق مجموعة من قواعد السلوك البشري التي لا علاقة لها بالسعادة البشرية. عندما يقول المرء يجب أن يحدث هذا أو ذاك لأن ذلك قد يساهم في السعادة البشرية، تجد الكنيسة أن ذلك غير متعلق ببعضه : “ما علاقة السعادة البشرية بعلم الأخلاق؟ ليس الهدف من علم الأخلاق أن يسعد البشر.”

    الخوف كقاعدة أساسية للدين:

    يعتمد الدين بشكل أساسي على الخوف. جزء منه هو الخوف من المجهول و الجزء الأخر، كما أقول، هو الرغبة في الإحساس أن المرء يمتلك نوع من “أخ كبير” يساعده في الصعوبات و يقف في جانبه في المعارك. الخوف هو أساس كل شيء، الخوف من المجهول، الخوف من الهزيمة، الخوف من الموت, الخوف هو أم الوحشية و لذلك ليس غريبا أن الدين و الوحشية يسيران يدا بيد لأن كلاهما ينبعان من الخوف. نحن نبدأ الآن بفهم العالم من أجل أن نملكه و ذلك بمساعدة العلم الذي يشق طريقه خطوة بخطوة، بقوة، ضد الدين المسيحي، ضد الكنائس و تلك الأوامر و التقاليد المتوارثة. يستطيع العلم أن يساعدنا في تخطي الخوف الجبان الذي تعيش به البشرية منذ أجيال كثيرة. يستطيع العلم، و أنا أعتقد أننا في داخلنا نستطيع ذلك، أن يعلمنا أن لا نبحث عن مساعدة موهومة و أن لا نبحث عن أصدقاء لنا في السماء، إنما أن نقدم جهدنا هنا في الأسفل (على الأرض) من اجل أن نصنع من العالم مكان يستحق أن يُعاش به، بدلا مما صنعته الكنيسة من هذا المكان طوال القرون.

    ماذا يجب علينا أن نفعل:

    نحن نريد أن نقف على أقدامنا و أن ننظر إلى العالم بعيون مفتوحة و شريفة و أن نرى: جوانبه الجيدة و السيئة، جماله و قباحته. نحن نريد أن نسيطر عليه بذكائنا و لا نريد أن نبقى عبيدا لخوفنا الذي ينبع منه (العالم). التصور الإلهي بكامله مستوحى من التسلط الشرقي القديم. إنها صورة لا تليق بالناس الأحرار. عندما يسمع المرء كيف يحتقر الناس أنفسهم في الكنيسة و يصفون نفسهم بأنهم مخطئون ، هذا شيء لا يستحق الاحترام و لا يستحق ذلك من يحترم نفسه. يجب أن ننهض و ننظر إلى وجه العالم بكل حرية. يجب أن نصنع من العالم أفضل الممكن و إذا كان ذلك ليس كافيا ، كما نتمنى، فإنه سيكون أفضل مما صنعه الآخرون في الأزمان السابقة. العالم الجيد بحاجة إلى المعرفة و الخير و الشجاعة و لا يحتاج للشوق المؤلم نحو الماضي، (العالم الجديد) ليس بحاجة إلى تقييد العقل الحر عبر الكلمات التي تكلمها بعض الرجال الجهلة. هو (العالم الجديد) يحتاج أمل بالمستقبل، عدم التطلع إلى الماضي إلى الماضي الميت الذي نحن واثقون بأن المستقبل الذي سنخلقه بذكائنا سيكون أفضل منه (من الماضي الميت).